يشعر الفقه الروماني بالاستحالة، بل قال بأنّ هذا ليس تحميلًا لشخص، بل هو امتدادٌ للمورّث؛ فاستثنى لذلك هذا المورد من قانون الاستحالة عنده. وبهذا سلّم الفقه الجرماني بالحوالة دون الفقه اللاتيني: فسلّم أوّلًا بحوالة الحقّ- أي تبديل الدائن- ثمّ سلّم بعد هذا بحوالة الدَّين.
وقد قيل[1]: إنّ الالتزام له نظرتان: نظرة ذاتيّة، ونظرة مادّيّة: فالنظرة الذاتيّة تعني الالتزام، كالتزام زيد لعمرو بدرهم. أمّا النظرة المادّيّة، فالمقصود منها النظرة الماليّة.
وهذا الالتزام له ثلاثة أطراف: ملتزم، وملتزم له، وملتزم به. وهذه الأطراف الثلاثة تعدّ مقوّمةً بالنظرة الذاتيّة؛ أمّا بالنظرة المادّيّة، فهناك طرفٌ واحد مقوّم، وهو الملتزم به، أي الدرهم أو الدينار، أمّا الطرفان الآخران، فليسا مهمّين بحسب هذه النظرة.
من هنا، شقّقوه وجزّأوه وحلّلوه إلى مطلبين بغية تعقّل مفهوم الحوالة التي لا تحتاج إلى هذا المقدار من التكلّف، فقالوا بعدم قابليّة الجانب الذاتي فيه للنقل.
أمّا الجانب الموضوعي- أو المادّي- فيَقبل؛ ومن هنا أجازوا حوالة الحقّ، ثمّ حوالة الدَّين. وإنّما جازت حوالة الحقّ أوّلًا باعتبار أنّ طرفيّة الدائن للمال أضعف من طرفيّة المدين له[2]، أي أنّ التصاق الالتزام بالملتزَم له أهون من التصاقه بالملتزِم. من هنا استعدّوا أوّلًا للتنازل عن علاقته بالملتزَم له قبل أن يغدوا مستعدّين ثانياً للتنازل عن علاقته بالملتزِم.
[1] المصدر السابق 1: 107- 109
[2] راجع: الوسيط في شرح القانون المدني الجديد 3: 418