تصوير كون الدَّين علاقةً شخصيّة تظهر في هذا الطرف بمظهر المقهوريّة وتظهر في الطرف الآخر بمظهر القاهريّة.
ورغم انفتاح الفقه الغربي- وريث الفقه الروماني- على مفاهيم العدالة التي تأبى جعل المدين تحت رحمة الدائن بهذا الشكل يتحكّم به كما يشاء ويسترقّه كما يشاء، إلّاأنّ هذا الفقه لم يرفع يده عن التصوّر الأساس لمفهوم الدَّين الموروث عن الفقه الروماني، فبقي يحافظ على كونه التزاماً، والالتزام يتحوّل إلى خيط وحبل، وهذا الحبل يشدّ المدين بالدائن؛ فهو حقٌ شخصيٌّ مظهره هناك المقهوريّة ومظهره هنا القاهريّة.
لكن رغم ذلك، قام الفقه الغربي بممارسة تفكيك غريب؛ حيث فرّق بين خطّ المديونيّة وخطّ المقهوريّة: فخطّ المديونيّة هو ذات الإنسان، أمّا خطّ المقهوريّة والمسؤوليّة فهو ماله لا ذاته[1].
من هنا: حيث تمّ التفريق بين اللازم والملزوم، تحفّظ الفقه الغربي على جوهر العلاقة، لكنّه لم يقبل الخلط بين المديونيّة والمقهوريّة؛ فالمديون هو ذات الإنسان، أمّا المقهور فهو الذي يقع تحت السيطرة والتحكّم، فليس هو المديون عينه وإنّما ماله، ففرّق ما بينهما بذلك.
أمّا بناءً على تصوّرات الفقه الإسلامي للدَّين، فهي أكثر راحةً- من بداياتها- من مثل هذه التصوّرات التي تؤدّي إلى مثل هذه المضاعفات؛ وذلك أنّ الدَّين- بحسب الفقه الإسلامي- ليس علاقةً قائمةً وحبلًا ممدوداً بين الدائن والمدين، بل هو مالكيّةُ الدائن لمالٍ ذمّي بالمعنى الحرفي؛ فالعلاقة والسلطة- على تقديرهما- إنّما هما سلطة لهذا الشخص على هذا المال بنحو المعنى
[1] المصدر السابق 1: 108- 109، الهامش