علاقة بين الدائن والمدين؛ لأنَّ هذه العلاقة جوهرُها عبارةٌ عن هذا الالتزام، أي الالتزام بأن يدفع ديناراً إلى شخص آخر، وهذا الالتزام كان يشدّ الدائن والمدين بحبل؛ ولهذا قلنا: إنّهم يعبّرون عن الدَّين ب (الحقّ الشخصي)؛ لأنّه علاقة وسلطنة لشخص على آخر، بخلاف الملكيّة عندهم؛ فإنّها علاقة قائمة بين الشخص والمال الخارجي، أي بينه وبين هذا الكتاب مثلًا، أو بينه وبين هذه الخشبة.
أمّا في باب الدَّين، فحيث قالوا: إنّه منتزع عن مجرّد التزام شخص بأن يدفع مالًا إلى آخر، فهذا الالتزام إذن علاقة شخصيّة تشدّ الملتزم بالملتزم به، وهي كالخيط الذي يطوَّق به المدين ويمسك به الدائن من الطرف الآخر، وحيث كانت المدينيّة والدائنيّة تستلزمان- بحسب الارتكاز العقلائي- شيئاً من المقهوريّة في هذا الطرف والقاهريّة في الطرف الآخر، وحيث تصوّرنا الدَّين بوصفه علاقةً قائمة بين الطرفين، ساعد هذا التسلسل في التصوّر الذهني على تصوّر الدائن ذا سلطنةٍ على المدين وأنّ له نحو قاهريّة عليه، فكان الالتزام حبلًا يُشدّ على رقبة المدين يمسكه الدائن بيده.
من هنا، كان الفقه الروماني الذي ورثه الفقه الغربي يرى أنّ للدائن حقّ التحكّم بالمدين على فرض تخلّف الأخير عن الوفاء، فكأ نّه يبقى رهيناً له؛ لأنّ الدَّين علاقة بين الشخصين، مظهرها هنا المقهوريّة، ومظهرها هناك القاهريّة، فيكون المدين مقهوراً ومسلَّطاً عليه، ويكون الدائن متسلّطاً، وقد تنتهي هذه القاهريّة- كما انتهت في تشريعات الفقه الروماني الذي ورثه الفقه الغربي- إلى تجويز الاسترقاق[1]، بل أحياناً إلى ما هو أشدّ من ذلك، وذلك كلّه من تبعات
[1] انظر: المصدر السابق 1: 107