وبما ذكرنا، ظهر أنّ البحث على هذا المستوى بهذه الصورة له مجال واسع؛ لأنّ هذا الحكم ليس حكماً تأسيسيّاً من قبَل الشارع، بل إمضائي؛ فلا بدّ من النظر إلى النكتة الممضاة في المقام في المرتبة السابقة.
ويمكننا أن نستفيد من بعض الأدلّة الشرعيّة إمضاء هذا الارتكاز العقلائي أيضاً وإمضاء كبرى أنّ الحقّ في المقام قابل للإسقاط، بحيث يفرض أنّ قابليّته له من شؤون الحقّيّة، لا أنّ الحقّيّة من شؤون هذه القابليّة.
وذلك مثل ما ورد في صحيحة محمّد بن مسلم عن الإمام الباقر عليه السلام في كتاب القصاص والديات، قال: «قلت له: رجلٌ جنى إليَ[1]، أعفو عنه أو أرفعه إلى السلطان؟ قال: هو حقّك، إن عفوتَ عنه فحسن، وإن رفعته إلى الإمام فإنّما طلبت بحقّك، وكيف لك بالإمام؟!»[2].
فإنّ ظاهر قوله: «إن عفوت فحسن، وإن ..» أ نّه بيان لحقّه وتفريع مبنيّ على هذا الحقّ. فحينئذٍ: إن شئت تعفو، وإلّا فاشكه إلى السلطان.
وظاهر هذا التفريع أنّ الإسقاط من شؤون الحقّيّة، فيكون الإمام قد بيّن الصغرى في المقام، وأمّا الكبرى- وهي أنّ كلّ حقّ قابل للإسقاط- فأحالها إلى الارتكاز العقلائي والفهم العرفي كما هي الحال في كثير من التعليلات، من قبيل قوله: «العمري وابنه ثقتان»[3]، أو قوله: «آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني؟!»[4] و .. فهذا بيان للصغرى، وأمّا الكبرى- وهي أنّ كلّ ثقة تُؤخذ
[1] في المصدر:« عليَّ»
[2] وسائل الشيعة 28: 38، الباب 17 من أبواب مقدّمات الحدود وأحكامها العامّة، الحديث 1
[3] وسائل الشيعة 27: 138، الباب 11 من أبواب صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به، الحديث 4
[4] وسائل الشيعة 27: 147، الباب 11 من أبواب صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به، الحديث 33