إذن: فهذه القابليّة للإسقاط- إثباتاً ونفياً- تندرج في واقع أمرها في الأحكام الممضاة من قبل الشارع، لا الأحكام المؤسّسّة، أي تلك الأحكام ذات الجذور العقلائيّة الارتكازيّة.
ومؤدّى هذا الكلام إخضاع الارتكاز العقلائي للفحص والفلسفة والتحليل؛ لنرى ما هو الضابط في هذا الارتكاز العقلائي الذي تقوم عليه مسألة السقوط بالإسقاط أو عدمها: فإذا استكشفنا- بحسب الارتكاز العقلائي- ما به يكون الحقّ حقّاً أو يكون قابلًا للإسقاط، وما به يكون الحكم حكماً وغير قابل للإسقاط، فحينئذٍ- بعد فرض إمضاء هذا الارتكاز والسيرة العقلائيّة من قبل الشارع على حدّ سائر الارتكازات والسير العقلائيّة- يصحّ ذلك قاعدةً في نفسه، وهو أنّ كلّ تشريع وجدت فيه تلك النكتة يكون قابلًا للإسقاط، وكلّ تشريع لا تتوافر فيه تلك النكتة، بل تتوافر فيه نكتة الحكميّة، لا يكون قابلًا له.
ولو فرض انخرام القاعدة في مورد أو موردين، يكون ذلك من باب الردع عن السيرة والارتكاز العقلائيّين، مع لزوم الرجوع إلى هذا الارتكاز في سائر الموارد الاخرى.
بل يمكن أن يقال: إنّ هذا الارتكاز العقلائي- بقطع النظر عن الاستدلال بالسيرة العقلائيّة بما هي سيرة عقلائيّة- يغدو أساساً لتكوّن ظهورٍ في الأدلّة اللفظيّة، على النحو الذي بيّنّاه مراراً في الفقه؛ حيث قلنا: إنّ كثيراً من الظهورات في الأدلّة اللفظيّة إنّما هو حصيلة الارتكازات الاجتماعيّة لا الأوضاع اللغويّة القاموسيّة؛ فهذه الارتكازات الموجودة عند العقلاء- كالذي نحن فيه- يوجب انعقاد ظهور في الدليل نفسه على نحو يكون قابلًا للإسقاط أو لا، فإذا فرض أنّ التشريع الذي دلّ عليه الدليل كان من تلك التشريعات الحقّيّة بحسب