عن سبب علمه هذا يجيبك بأ نّه لا يعرف، إلّاأنّ معلوماته السابقة تشير له إلى أنّ الألِف علّة للباء، تماماً كما شعر ذلك الفيلسوف الذي تحدّثنا عنه بأنّ صدق العامّ الاستغراقي يستلزم صدق العامّ المجموعي.
وهذه المحاولة في الحقيقة محاولة لإرجاع العلم بالعلّيّة إلى العقل الأوّل والعقل الثاني إرجاعاً إجماليّاً غامضاً مبهماً، وهو من هذه الناحية يتعارض مع غرضنا في إرجاعه إلى العقل الأوّل أو الثاني إرجاعاً موضوعيّاً.
وهنا لا بدّ من ملاحظة أمرين:
الأمر الأوّل: أ نّنا عدلنا عن فكرة القريحة وإدخالها في صناعة البرهان، بمعنى أ نّنا الآن لا نتصوّر قضيّة يدركها العقل على صعيد البرهان دون أن يرجع ذلك إلى العقل الأوّل أو الثاني أو الوهم؛ وذلك لأنّ ثبوت المحمول للموضوع في هذه القضيّة إمّا أن يكون في نظر القوّة المدركة لثبوت ذلك المحمول للموضوع بلا واسطة، وإمّا أن يكون ثبوته باعتبار الواسطة:
أ- فإن كان ثبوته بلا واسطة، فهو إمّا من العقل الأوّل وإمّا من الوهم.
ب- وإن كان ثبوته بواسطة، فهذه الواسطة يمكن أن تكون إمّا حدّاً أوسط معلوليّاً وإمّا علّيّاً، وبتعبير آخر: إمّا على نحو البرهان الإنّي- بمعنى كونها واسطة في علمنا بثبوت المحمول للموضوع- وإمّا على نحو البرهان اللمّي.
وعلى الثاني يكون إدراكنا لثبوت هذا المحمول لهذا الموضوع على أساس إدراك ثبوت ما هو علّة له، أي أنّ إدراكنا لثبوت الباء للألِف مستندٌ إلى إدراكنا لثبوت ما هو علّة للباء للألِف، بمعنى أنّ موضوع الباء محمولٌ للألِف على طريقة البرهان اللمّي لا الإنّي.
عندئذٍ يقال: إنّ الواسطة التي ببركتها أدركنا ثبوت الباء للألِف: