المطّرد بين ظاهرتين، وإنّما يصفها بأ نّها علاقة من نوع آخر.
وأمّا المفهوم العقلي للسببيّة الذي يعبّر عن الإيجاد والتأثير والضرورة، فهو يستطيع أن يتصوّر هذه العلاقة بين ظاهرتين مقترنتين زماناً، فتكون إحداهما سبباً والاخرى مسبّباً، لا على أساس التبعيّة الزمنيّة، بل على أساس التبعيّة في الوجود والتأثير، فالظاهرة المؤثّرة هي السبب، والظاهرة الموجودة نتيجة ذلك التأثير هي المسبّب وإن اقترنتا زماناً، بل إنّ المفهوم العقلي للسببيّة يستنبط من عنصر الضرورة حتميّة التقارن بين المسبّب وسببه، أو بين المسبّب والجزء الأخير من السبب حينما يكون السبب مركّباً من مجموعة أشياء؛ لأنّ أيّ فاصل زمني بين السبب بكامل وجوده والمسبّب يتعارض مع ضرورة استتباع السبب للمسبّب التي يؤمن بها المفهوم العقلي للسببيّة.

مناقشة هذا الموقف:

ويمكن أن نلخّص تعليقنا على هذا الاتجاه التجريبي لتفسير الدليل الاستقرائي في ثلاث نقاط:
النقطة الاولى: إنّ هذا الكتاب يختلف عن المنطق العقلي والتجريبي معاً تجاه قضيّة من أهمّ قضايا الدليل الاستقرائي، وهي الجواب على السؤال التالي:
هل يعتبر الدليل الاستقرائي بحاجة إلى قضايا السببيّة كمصادرات يبني على أساسها التعميم؟
وقد لاحظنا حتّى الآن أنّ المذهب العقلي والمذهب التجريبي معاً يتّفقان على الجواب بالإيجاب على هذا السؤال، بينما نؤمن على ضوء تفسيرنا المقبل للتعميمات الاستقرائيّة أنّ الدليل الاستقرائي ليس بحاجة إلى مصادرات من هذا القبيل لكي يؤدّي إلى ترجيح التعميم، وبالتالي إلى العلم به‏.