نقد المبدأ الأرسطي‏

تمهيد: المبدأ الأرسطي للاستقراء يشكّل علماً إجماليّاً:

عرفنا أنّ المبدأ الأرسطي المتقدّم للاستقراء ينفي تكرّر الصدفة النسبيّة في عدد معقول من التجارب والمشاهدات خلال الاستقراء، ولنفرض الآن- تيسيراً للتعبير- أنّ هذا العدد هو (عشرة). فعلى أساس هذا الافتراض يعني المبدأ الأرسطي: أنّ (ألف) و (باء) إذا لم تكن بينهما رابطة سببيّة، وأوجدنا الألف عشر مرّات، فإنّ الباء سوف لا توجد في مرّة واحدة- على الأقلّ- من هذه المرّات؛ لأنّها لو وجدت واقترنت بالألف فيها جميعاً لكان معنى ذلك تكرّر الصدفة النسبيّة في عشر تجارب، وهذا ما ينفيه المبدأ الأرسطي.
والمبدأ الأرسطي إذ يخبرنا بأنّ الظاهرتين اللتين لا ترتبط إحداهما بالاخرى برباط السببيّة سوف لن تقترنا في تجربة واحدة على الأقلّ من التجارب العشر، لا يعيّن لنا هذه التجربة التي لا تقترن فيها الظاهرتان، فقد تكون الاولى أو الرابعة، أو أيّ تجربة اخرى من العشرة، وبذلك يكون المبدأ الأرسطي علماً بنفي غير محدّد.
والعلم بنفي غير محدّد، له أمثلة كثيرة في معارفنا الاعتياديّة، كما أنّ العلم بنفي محدّد له أمثلة كثيرة أيضاً.
فنحن قد نعلم بأنّ هذه الورقة ليست سوداء، وهذا علم بنفي محدّد. وقد لا نعلم بذلك، ولكنّا نعلم بأنّ الورقة ليست سوداء وبيضاء في نفس الوقت، وهذا علم بنفي غير محدّد؛ لأنّه ينفي أحد اللونين عن الورقة على أقلّ تقدير.
وقد نعلم بأنّ كتاب تأريخ الطبري الذي كان موجوداً في مكتبتنا قد فقد ولم‏