محاولة للاستدلال العقلي على مبدأ العليّة:

وهناك محاولتان تذكران عادةً في بحوث الفلاسفة العقليّين الأرسطيّين، للاستدلال العقلي على مبدأ العليّة:

المحاولة الاولى: إنّ كلّ حادثة ممكنة الوجود، ومعنى (الإمكان) أنّ الوجود والعدم بالنسبة إليها متساويان، فلكي توجد الحادثة لا بدّ أن يترجّح وجودها على عدمها، ولا بدّ في رجحان الوجود على العدم من مرجّح، لاستحالة ترجّح أحد المتساويين على الآخر بلا مرجّح‏[1]. وهذا المرجّح هو العلّة. إذن فكلّ حادثة لها علّة.

وهذه الحجّة إذا حلّلناها بعمق نجد أ نّها لا تزيد على الاستدلال على مبدأ العليّة بنفسه؛ لأنّها تفترض أنّ الحادثة لكي توجد لا بدّ أن يكتسب وجودها رجحاناً، وهذا الرجحان بحاجة إلى مرجّح. ومن الواضح أنّ القضيّة القائلة: «إنّ الرجحان بحاجة إلى مرجّح» هي نفسها تعبير عن مبدأ العليّة الذي نحاول الاستدلال عليه، إذ ما لم يثبت مبدأ العليّة مسبقاً يكون بالإمكان افتراض الرجحان بدون مرجّح، أي بدون سبب. وهكذا نجد أنّ القضيّة التي يرتكز عليها الاستدلال على مبدأ العليّة تفترض مسبقاً مبدأ العليّة. فالاستدلال إذن خاطئ من الناحية المنطقيّة.

المحاولة الثانية، وصيغتها كما يلي:

أ- كلّ ماهيّة ممكنة بذاتها لا توجد ما لم يجب وجودها، فالوجود إذن مساوق للوجوب‏.

 

[1] الأسفار الأربعة، لصدر الدين الشيرازي 2: 131