باستمرار، ويستهدف من وراء ذلك إلى استنتاج رابطة سببيّة بين كلّ ظاهرتين يتكرّر اقترانهما باستمرار خلال الاستقراء؛ لأنّ اقترانهما لو كان مجرّد صدفة نسبيّة لما تكرّر باستمرار؛ لأنّ الصدفة النسبيّة لا تتكرّر باستمرار بصورة متماثلة، فقد يتّفق مرّة أن تقترن الألف بالباء صدفة، وفي مرّة ثانية وثالثة قد تقترن الألف بالباء صدفة أيضاً، ولكن ليس من الممكن أن تقترن الألف بالباء صدفة في جميع المرّات؛ لأنّ الصدف النسبيّة المتماثلة لا يمكن أن تتتابع.
ويريد المنطق الأرسطي- بالتأكيد على أنّ هذا المبدأ عقلي قبلي- وضع أساس منطقي للدليل الاستقرائي وربطه بالمعرفة العقليّة المنفصلة عن التجربة بوصفه استنتاجاً منطقيّاً قياسيّاً من تلك المعرفة.
حاجة المبدأ إلى صيغة محدّدة:
ورغم كلّ هذه الإيضاحات السابقة ظلّت نقطة جوهريّة بحاجة إلى الإيضاح والتحديد في المبدأ الأرسطي للاستقراء، وهي أنّ المبدأ الأرسطي ينفي تكرار الصدفة النسبيّة، أي تتابع صدف نسبيّة متماثلة، ولكن لا يحدّد درجة التكرار والتتابع الذي ينفيه. فهل ينفي تكرار الصدفة النسبيّة بالقدر الذي يستوعب كلّ عمر الطبيعة، بما يضمّ من زمان حاضر وماضٍ ومستقبل؟ أو ينفي تكرار الصدفة النسبيّة في مجال محدّد كمجال التجارب التي يقوم بها شخص، أو التي تقع خلال فترة زمنيّة معيّنة؟
فإن كان الأوّل، فهو يعني أنّ الصدفة النسبيّة لا تتكرّر باستمرار مع امتداد عمر الطبيعة في الماضي والحاضر والمستقبل، ولا ينفي المبدأ الأرسطي على هذا الأساس أن تتكرّر الصدفة النسبيّة في تجارب شخص واحد، مهما كانت كثيرة، أو في فترة محدّدة من الزمن مهما كانت طويلة.