وأمّا الصدفة النسبيّة فليس فيها استحالة من وجهة نظر فلسفيّة؛ لأنّها لا تتعارض مع مبدأ السببيّة، فإنّ الاقتران بين انجماد ماءٍ وغليان ماءٍ آخر صدفةً لا ينفي نشوء كلّ من الانجماد والغليان عن سبب خاصّ، هو انخفاض درجة الحرارة إلى الصفر في الأوّل، وارتفاعها إلى مائة في الثاني. فهناك في هذا المثال ثلاثة اقترانات، واحد منها تتمثّل فيه الصدفة النسبيّة، وهو اقتران انجماد الماء بغليان الماء الآخر، واثنان منها لا يعبّران عن صدفة؛ لأنّهما يقومان على أساس رابطة السببيّة، وهما اقتران الانجماد بانخفاض الحرارة من ناحية، واقتران الغليان بارتفاعها من ناحية اخرى.
وهكذا نعرف أنّ الاقتران بين حادثتين قد يكون مجرّد صدفة، ونطلق عليها اسم الصدفة النسبيّة، وقد يكون ناتجاً عن رابطة سببيّة بين الحادثتين.
وهناك فارق ملحوظ- في تجاربنا جميعاً- بين هذين القسمين من الاقتران؛ فالاقتران الناتج عن رابطة سببيّة مطّرد دائماً، فمتى حدث انخفاض في درجة الحرارة إلى الصفر اقترن ذلك بالانجماد، ومتى حصل برق وجد صوت الرعد. وأمّا الاقتران الذي يتمثّل في الصدفة النسبيّة فهو قد يحدث ولكنّه لا يطّرد ولا يتكرّر باستمرار، فأنت قد يتّفق لك أن تجد صديقك أحياناً حين تفتح الباب وتهمّ بالخروج من بيتك، ولكنّ هذا لا يطّرد في كلّ مرّة تفتح فيها الباب وتخرج من البيت على سبيل الصدفة، ولو اطّرد ذلك لاستطعت أن تستنتج أنّ رؤيتك لصديقك كلّما فتحت الباب ليس صدفة، بل نتيجة لحرص صديقك على أن يفاجئك دائماً بنفسه في كلّ مرّة تحاول فيها الخروج.
والمنطق الأرسطي ينطلق من هذه النقطة، فيقدّم لنا المبدأ التالي: (إنّ الاتفاق لا يكون دائمياً ولا أكثريّاً)، بوصفه مبدأً عقليّاً قبليّاً، وهو يريد بالاتفاق الصدفة النسبيّة، ويقصد بهذا المبدأ التأكيد على أنّ الصدفة النسبيّة لا تتكرّر