والصدفة النسبيّة: هي أن توجد حادثة معيّنة نتيجة لتوفّر سببها ويتّفق اقترانها بحادثة اخرى صدفة، كما إذا تعرّض ماء معيّن لحرارة بدرجة مائة فحدث فيه الغليان، وتعرّض ماء آخر في نفس الوقت لانخفاض في درجة الحرارة إلى الصفر فحدث فيه الانجماد في نفس اللحظة التي بدأ فيها غليان الماء الأوّل.
ففي هذا المثال يعتبر اقتران انجماد هذا الماء وغليان ذلك الماء ووجودهما معاً في لحظة واحدة صدفةً. والصدفة هنا نسبيّة لا مطلقة؛ لأنّ كلًا من الغليان والانجماد وجد نتيجة لسبب خاصّ لا صدفةً، وإنّما تتمثّل الصدفة في اقترانهما، إذ ليس من اللازم أن يقترن انجماد ماء بغليان ماء آخر، فإذا اقترن أحدهما بالآخر كان ذلك صدفة.
وعلى هذا الأساس يمكن القول بأنّ الصدفة المطلقة: هي أن توجد حادثة بدون أيّ لزوم منطقي أو واقعي، أي بدون سبب. والصدفة النسبيّة: هي أن تقترن حادثتان بدون أيّ لزوم منطقي أو واقعيّ لهذا الاقتران، أي بدون رابطة سببيّة تحتّم اقتران إحداهما بالاخرى.
والصدفة المطلقة مستحيلة من وجهة النظر الفلسفيّة الأرسطيّة، أو أيّ وجهة نظر فلسفيّة اخرى تؤمن بمبدأ السببيّة بوصفه مبدأً عقليّاً قبليّاً؛ لأنّ الصدفة المطلقة تتعارض مع مبدأ السببيّة، فمن الطبيعي لكلّ من يؤمن بمبدأ السببيّة أن يرفض الصدفة المطلقة.
ومبدأ السببيّة هذا- برفضه للصدفة المطلقة- يشكّل في الاتجاه الأرسطي واتجاه الفلسفة العقليّة عموماً، القضيّة العقلية القبليّة التي تعالج المشكلة الاولى من المشاكل الثلاث التي يواجهها الدليل الاستقرائي، كما تقدّم في مستهلّ هذا البحث. كما أنّ القضيّة العقليّة التي يعالج الاتجاه الأرسطي بها المشكلة الثالثة من تلك المشاكل، مستنبطة من مبدأ السببيّة.