ليست التجربة إلّامشاهدات متكرّرة، كما أنّ الاستقراء أيضاً مشاهدات متكرّرة، فكيف أفاد التجربة اليقين دون الاستقراء؟! فالجواب: أ نّه إذا تكرّرت المشاهدات على وقوع شي‏ء، وعلم بالعقل أ نّه ليس اتفاقيّاً، إذ الاتفاقيّات لا تكون دائمة ولا أكثريّة، كانت التجربة مفيدة لليقين. وإن لم يعلم ذلك واستدلّ بمجرّد المشاهدات الجزئيّة بدون ذلك القياس على الحكم الكلّي كان استقراءً ولا يفيد اليقين»[1].

خطأ في فهم الموقف الأرسطي:

وعلى هذا الضوء نعرف خطأ كثير من الباحثين المحدثين وغيرهم، إذ خيّل لهم أنّ المنطق الأرسطي ينكر التعميمات الاستقرائيّة ولا يعترف بالقضايا المستدلّة بالاستقراء الناقص، ويرى أنّ الاستقراء إذا لم يكن شاملًا فهو يعجز عن إثبات التعميم.

والواقع- كما تقدّم- إنّ المنطق الأرسطي يؤمن بإمكان التوصّل عن طريق الاستقراء الناقص إلى التعميم، ولكن لا على أساس التجميع العددي للأمثلة فحسب، بل على أساس مبدأ عقلي قبلي يتأ لّف منه ومن الأمثلة المستقرأة قياس كامل يبرهن على السببيّة، وبالتالي على التعميم لكلّ الحالات المماثلة، ويسمّي المنطق الأرسطي ذلك بالتجربة، ويعتبر التجربة أحد مصادر العلم وأساساً صالحاً للتعميم، بينما يسمّي التجميع العددي للأمثلة فقط بالاستقراء الناقص، ويعتقد بأ نّه غير صالح منطقيّاً لإثبات التعميم.

وهناك من يحاول أن يفسّر تمييز المنطق الأرسطي هذا بين الاستقراء

 

[1] منطق الإشارات 1: 217