تساوي نسبتها إلى الوجود والعدم، جاز أن توجد في حالة عدم وجود العلّة أيضاً مع تساوي نسبتها إلى الوجود والعدم.
وهكذا نلاحظ بوضوح: أنّ البرهان الذي استخدم لإثبات الفقرة الاولى القائلة: «إنّ الماهيّة الممكنة لا توجد بدون وجوب»، قد افترض- بصورة مسبقة- مبدأ العليّة وحاجة الشي‏ء الممكن إلى العلّة، فليس من المعقول منطقيّاً أن ندخل تلك الفقرة كجزء في الحجّة التي يستدلّ بها على مبدأ العليّة.
وأنا أرى: أنّ الأفضل للفلسفة العقليّة التي تؤمن بأنّ مبدأ العليّة قضيّة عقليّة قبليّة، أن تتّجه إلى القول بأ نّه قضيّة أوليّة في العقل بدلًا عن الاتجاه إلى استنباطه من قضايا عقليّة مسبقة، وبذلك يصبح من المستحيل الاستدلال عليه بمناهج الاستنباط العقلي، ما دام قضيّة أوليّة.
ومن الطبيعي أن يعارض (هيوم) هذا الاتجاه؛ لأنّه يرفض التسليم بأيّ قضيّة عقليّة قبليّة من هذا القبيل. وسوف نوضّح في القسم الأخير من هذا الكتاب- إن شاء اللَّه تعالى-: أنّ من الضروري الاعتقاد بقضايا عقليّة قبليّة في المعرفة البشريّة.
ونحن لا نختلف مع هيوم في معارضته لقبول مبدأ العليّة بوصفه قضيّة عقليّة قبليّة فقط، بل نختلف معه أيضاً في اعتقاده بأنّ مبدأ العليّة لا يمكن الاستدلال عليه بالتجربة.

3- علاقة العليّة والتجربة:

إذ أكّد (هيوم) أنّ علاقات العليّة لا يمكن استنتاجها عقليّاً، أكّد في الوقت نفسه عدم إمكان الاستدلال عليها بالتجربة، وعجز الخبرة الحسيّة عن إثباتها؛ لأنّ كلّ معلوماتنا عن العالم الخارجي التي نستمدّها من التجربة والخبرة الحسيّة