الاولى: في تحديد المصدر الأساس للمعرفة، فالتجريبيّون يؤمنون بأنّ التجربة والخبرة الحسيّة هي المصدر الوحيد للمعرفة، فلا توجد لدى الإنسان أيّ معرفة قبليّة بصورة مستقلّة عن الحسّ والتجربة. والعقليون يؤمنون بوجود قضايا ومعارف يدركها الإنسان بصورة قبليّة ومستقلّة عن الحسّ والتجربة، وأنّ هذه القضايا تشكّل الأساس للمعرفة البشريّة، والقاعدة التي يقوم على أساسها البناء الفوقي للمعرفة كلّه. وفي هذه النقطة يتّفق المذهب الذاتي مع المذهب العقلي، وسندرس هذه النقطة في القسم الأخير من هذا الكتاب- إن شاء اللَّه تعالى-.
الثانية: في تفسير نموّ المعرفة، بمعنى أنّ هذه المعارف القبليّة الأوّلية كيف يمكن أن تنشأ منها معارف جديدة؟ وكيف يمكننا أن نستنتج من القضايا التي تشكّل الأساس الأوّل للمعرفة قضايا اخرى، وهكذا حتّى يتكامل البناء؟
وفي هذه النقطة يختلف المذهب العقلي مع المذهب الذاتي اختلافاً أساسياً:
فالمذهب العقلي لا يعترف عادةً إلّابطريقة واحدة لنموّ المعرفة، وهي طريقة التوالد الموضوعي، بينما يرى المذهب الذاتي: أنّ في الفكر طريقتين لنموّ المعرفة، إحداهما: التوالد الموضوعي، والاخرى: التوالد الذاتي. ويعتقد المذهب الذاتي بأنّ الجزء الأكبر من معرفتنا بالإمكان تفسيره على أساس التوالد الذاتي.

[الفرق بين التوالد الموضوعي والتوالد الذاتي:]

ولكي نتصوّر محتوى هذا الخلاف بين المذهب العقلي والمذهب الذاتي يجب أن نوضّح ما نقصده بالتوالد الموضوعي والتوالد الذاتي:
إنّ في كلّ معرفة جانباً ذاتياً وجانباً موضوعياً. فنحن حين نعرف: أن‏