نجد أنفسنا بحاجة إلى منطق جديد، إلى منطق ذاتي يكتشف الشروط التي تجعل طريقة التوالد الذاتي معقولة، كما احتجنا إلى المنطق الصوري لاكتشاف صيغ التلازم بين أشكال القضايا التي تجعل طريقة التوالد الموضوعي معقولة.
[مرور التوالد الذاتي بمرحلتين:]
وأنا أعتقد أنّ كلّ معرفة ثانوية يحصل عليها العقل على أساس التوالد الذاتي تمرّ بمرحلتين، إذ تبدأ أوّلًا مرحلة التوالد الموضوعي، وفي هذه المرحلة تبدأ المعرفة احتمالية، وينمو الاحتمال باستمرار، ويسير نموّ الاحتمال في هذه المرحلة بطريقة التوالد الموضوعي حتّى تحظى المعرفة بدرجة كبيرة جدّاً من الاحتمال، غير أنّ طريقة التوالد الموضوعي تعجز عن تصعيد المعرفة إلى درجة اليقين، وحينئذٍ تبدأ مرحلة التوالد الذاتي لكي تنجز ذلك وترتفع بالمعرفة إلى مستوى اليقين.
والتعميمات الاستقرائيّة كلّها تمرّ بهاتين المرحلتين، ففي المرحلة الاولى- أي مرحلة التوالد الموضوعي- يتّخذ الدليل الاستقرائي مناهج الاستنباط العقلي، وينمي باستمرار درجة احتمال القضيّة الاستقرائيّة على أساس موضوعي. وفي المرحلة الثانية يتخلّى الدليل الاستقرائي عن منهجه الاستنباطي وطريقته في التوالد الموضوعي، ويصطنع طريقة التوالد الذاتي لتصعيد المعرفة الاستقرائيّة إلى درجة اليقين.
ونظراً إلى أنّ الدليل الاستقرائي يمرّ من وجهة نظر المذهب الذاتي بمرحلتين، فسوف نتكلّم عن تفسير الدليل الاستقرائي على ضوء المذهب الذاتي في فصلين:
الفصل الأوّل: في تفسير الدليل الاستقرائي في مرحلة التوالد الموضوعي.
الفصل الثاني: في تفسير الدليل الاستقرائي في مرحلة التوالد الذاتي.