الاعتراض الخامس [على كلا الأساسين‏]:

نريد الآن أن نستدلّ على أنّ العلم الإجمالي بأنّ الصدفة لا تتكرّر على خطّ طويل إذا كان موجوداً لدينا حقّاً فهو ليس علماً قبليّاً (أي قبل التجربة والاستقراء) أوّليّاً، كما يفترضه المنطق الأرسطي لكي يجعل منه الأساس العقلي المنطقي للدليل الاستقرائي. وفيما يلي توضيح ذلك:
إنّ العلم الإجمالي الأرسطي يقول: إنّ (أ) و (ب) إذا لم تكن بينهما رابطة سببيّة فلا يتكرّر اقتران أحدهما مع الآخر باستمرار خلال خطّ طويل، وحين نفترض أنّ هذا الخطّ الطويل يعبّر عن عشر تجارب متتابعة يمكننا على هذا الأساس أن نستنتج سببيّة (أ) ل (ب) إذا لاحظنا اقترانهما خلال التجارب المتتابعة عشر مرّات. فإذا كان (أ) مادّة معيّنة نريد امتحان تأثيرها في رفع الصداع، وكان (ب) هو ارتفاع الصداع، وأعطينا تلك المادّة إلى عشرة من المصابين بالصداع فارتفع صداعهم، استنتجنا من ذلك أنّ هذا التكرّر في الاقتران بين استعمال تلك المادّة وارتفاع الصداع ليس صدفة؛ لأنّ الصدفة النسبيّة لا تتكرّر عشر مرّات، بل هو ناتج عن سببيّة تلك المادّة لرفع الصداع.
ولنفترض أ نّنا اكتشفنا بعد ذلك أنّ واحداً على الأقلّ من اولئك العشرة- الذين أجرينا تجاربنا عليهم- كان قد استعمل في تلك اللحظة ودون علم منّا قرصاً من (الأسبرين) الكفيل بإزالة الصداع، ففي هذه الحالة سوف يفقد هذا الاكتشاف تلك التجربة التي اجريت على ذلك الشخص قيمتها ودورها في تكوين الدليل الاستقرائي وإيجاد العلم بالسببيّة بين (أ) و (ب) (أي بين المادّة التي نجري عليها تجاربنا وارتفاع الصداع) وسوف يكون موقفنا تماماً كالموقف الذي نقفه تجاه تسع حالات ناجحة فقط، فإذا كان عشرة هو الحدّ الأدنى للاستقراء