الثبوت أو النفي. وإن كان علماً بضرورة عدم وقوع تلك الصدفة الخاصّة فهذه الضرورة إمّا أن تكون ذاتيّة وإمّا أن تكون عرضيّة وناتجة عن عدم وجود السبب الكافي لوقوع تلك الصدفة.
وواضح أنّ الضرورة الذاتيّة لا مجال لافتراضها في أيّ صدفة؛ لأنّ كلّ صدفة بالإمكان أن تقع إذا توفّر سببها الكافي لإيجادها. فنحن إذا لاحظنا حادثة ظهور صداع لدى الشخص الذي تناول اللبن في كلّ واحدة من التجارب العشر، لم نجد أيّ ضرورة واستحالة ذاتيّة تفرض عدم ظهور الصداع في أيّ واحدة من تلك التجارب.
وأمّا افتراض الضرورة العرضيّة الناتجة عن عدم وجود السبب الكافي فهو يعني أ نّنا نعتقد بعدم حدوث الصداع في تجربة خاصّة من تلك التجارب العشر، نتيجة للاعتقاد بعدم توفّر سبب الصداع في تلك التجربة، مع أ نّنا في الواقع لا نجد علمنا الإجمالي بعدم تكرّر الصدفة النسبيّة خلال التجارب المتعاقبة مرتبطاً بأيّ فكرة مسبقة عن أسباب تلك الصدف، وقد لا نملك أيّ فكرة عن الأسباب ونوعيّتها ومع ذلك نعلم بعدم تكرّر الصداع، فمثلًا قد لا نعلم ما هي أسباب الصداع ومع هذا نعلم بأنّ حدوث الصداع لا يقترن صدفة بشرب اللبن في جميع الحالات التي تجري عليها التجربة، وهذا يعني إنّ العلم بعدم حدوث الصداع في بعض تلك الحالات، لم ينشأ عن فكرة مسبقة عن السبب؛ لأنّا لا نعرف ما هي أسباب الصداع.
وهكذا نستخلص من ذلك: أنّ العلم الإجمالي بعدم وقوع الصدفة في مرّة واحدة على الأقلّ إذا كان يقوم على أساس التشابه والاشتباه ويرتبط بصدفة خاصّة، فلا يمكن أن يكون علماً عقليّاً قبليّاً.