5- الاعتقاد بالعليّة:

عرفنا في استعراضنا العامّ لموقف (هيوم) أ نّه يرى أنّ الاعتقاد يعبّر عن درجةٍ معيّنةٍ من الحيويّة والقوّة في الفكرة، تستمدّها من الانطباع مباشرة، أو عن طريق فكرة اخرى إذا كان بين الفكرتين علاقة العلّة والمعلول. فنحن حين نرى العلّة تكون فكرتنا عن العلّة اعتقاداً، لما تزخر به من الحيويّة نتيجة لمطابقتها لانطباع حسّي، ونظراً إلى علاقة العلّة والمعلول سوف ينتقل الذهن من فكرة العلّة إلى فكرة المعلول، وتكتسب فكرة المعلول على هذا الأساس الحيويّة والقوّة من فكرة العلّة، وترتفع لأجل ذلك من مستوى التصوّر إلى مستوى الاعتقاد.
وعلى هذا الأساس نعرف أنّ أيّ فكرة ترافق انطباعاً موافقاً لها فهي اعتقاد.
وإذا لم يوجد إلى جانبها انطباع موافق لها، فلكي تكون اعتقاداً لا بدّ من توفّر أمرين:
أحدهما: أن توجد علاقة بينها وبين فكرة اخرى تجعل للذهن نزوعاً واعتياداً على الانتقال من إحداهما إلى الاخرى، وهذه العادة تنشأ من تكرّر اقتران حادثتين في الخبرة الحسيّة للإنسان، بدرجة تجعل الذهن ينتقل من فكرة إحداهما إلى فكرة الحادثة الاخرى.
والآخر: أن تكون تلك الفكرة الاخرى مشتملة على القوّة والحيويّة التي تجعلها اعتقاداً، لكي تفيض من حيويّتها على الفكرة المرتبطة بها.
هذا هو موقف (هيوم) في تفسير الاعتقاد بالعليّة. ونلاحظ عليه ما يلي:
1- إنّ الاعتقاد بالعليّة يزوّدنا بقضيّتين، إحداهما: قضيّة فعليّة فحواها: إنّ الحديد قد تمدّد فعلًا، وذلك فيما إذا أدركنا بالفعل تعرّضه للحرارة. والاخرى:
قضيّة شرطيّة فحواها: إنّ هذه القطعة من الحديد إذا تعرّضت للحرارة فسوف‏