تتمدّد، واعتقادنا بهذه القضيّة الشرطيّة لا يتوقّف على تعرّض تلك القطعة للحرارة فعلًا. وموقف (هيوم) الذي استعرضناه يمكن أن يفسّر الاعتقاد بالقضيّة الاولى؛ لأنّ فكرتنا عن التمدّد- حينما ندرك فعلًا تعرّض الحديد للحرارة- مرتبطة بفكرة حيّة فتستمدّ منها الحيويّة والقوّة، ولكنّه لا يفسّر الاعتقاد بالقضيّة الثانية؛ لأنّنا نتساءل: ما هي الفكرة التي تعتبر اعتقاداً في هذه القضيّة؟ هل هي فكرتنا عن تمدّد الحديد، أو هي فكرتنا عن عليّة الحرارة لتمدّد الحديد؟ ولا يمكن لهيوم أن يجيب بإحدى هاتين الإجابتين.
أمّا الإجابة الاولى فلأنّ فكرتنا عن تمدّد الحديد لا يمكن أن تكون اعتقاداً؛ لأنّها لكي تكون اعتقاداً لا بدّ أن تستمدّ الحيويّة والقوّة من الفكرة الاخرى المرتبطة بها في الذهن، وهي فكرة الحرارة، وفكرة الحرارة نفسها ليس فيها حيويّة وقوّة؛ لأنّها لم تنشأ عن انطباع حسّي.
ففرق كبير بين ما إذا أحسسنا فعلًا بحرارة الحديد فقرّرنا أنّ هذا الحديد قد تمدّد فعلًا، وما إذا لم نكن قد أحسسنا بشي‏ء من ذلك وقرّرنا أنّ هذا الحديد إذا تعرّض للحرارة فسوف يتمدّد. ففي الحالة الاولى تكون فكرتنا عن العلّة- أي عن حرارة الحديد- فكرة حيّة؛ لأنّها على وفق انطباع حسّي معاش، فتستمدّ فكرة المعلول الحيويّة والقوّة من فكرة العلّة، وتصبح بذلك اعتقاداً في رأي (هيوم). وأمّا في الحالة الثانية فليست فكرة العلّة حيّة، بل هي مجرّد تصوّر مفترض، فلا يمكن أن تستمدّ فكرة المعلول منها الحيويّة والقوّة، وبالتالي لا يمكن أن تكون فكرتنا عن المعلول في القضيّة الشرطيّة اعتقاداً.
وليس بإمكان (هيوم) أن يختار الإجابة الثانية ويفترض أنّ الاعتقاد الذي نملكه في حالة إصدار قضيّة شرطيّة هو الاعتقاد بعليّة الحرارة للتمدّد. إذ ما هي هذه العليّة؟ إن كانت علاقةً موضوعيّة بين الحادثتين في العالم الخارجي، فمن‏