الواضح أنّ (هيوم) لا يسلّم بوجود علاقة من هذا القبيل؛ لأنّه يرى أنّ العليّة علاقة بين الفكرتين لا بين الموضوعين، وإن كانت علاقة بين الفكرتين فهذا يعني: أ نّا حين نقرّر القضيّة القائلة: «إذا تعرّض هذا الحديد للحرارة تمدّد» نعني بذلك: أ نّا إذا وجدت في ذهننا فكرة الحرارة فسوف ننتقل من هذه الفكرة ذهنيّاً إلى فكرة التمدّد، فكلّما نتحدّث عن قضيّة شرطيّة من هذا القبيل، فنحن نتحدّث عن العادة الذهنيّة التي هي التجسيد الحقيقي لعلاقة العلّة والمعلول في رأي هيوم.
وإذا تأمّلنا في مغزى ذلك نجد أنّ هذا يعني أ نّا نتحدّث عن المستقبل، ولكن لا عن مستقبل الطبيعة في العالم الخارجي، بل عن مستقبل ذهننا، ونحكم بأنّ عادة النزوع عن فكرة العلّة إلى المعلول سوف تظلّ في المستقبل كما هي الآن. إذ لو لم نفترض ذلك فليس بإمكاننا القول بأنّ فكرة الحرارة إذا حدثت في ذهننا فسوف ننتقل منها إلى فكرة التمدّد. وهكذا نجد في النهاية أ نّنا تورّطنا- عند تفسير القضيّة الشرطيّة- في ما رفضه هيوم منذ البدء، وهو افتراض مشابهة المستقبل للحاضر والماضي.
وبكلمة اخرى: إنّ مشابهة المستقبل للحاضر والماضي إذا كان من حقّنا افتراضها والتحدّث على أساسها، فبإمكاننا إذن أن نستعمل هذا الافتراض بالنسبة إلى الواقع الموضوعي، ونؤكّد موضوعيّاً القضيّة الشرطيّة القائلة: «إذا- أو كلّما- تعرّض الحديد للحرارة تمدّد» بدلًا عن أن نفسّر ذلك على أساس العادة والنزوع الذهني، وإذا لم يوجد مبرّر موضوعي لافتراض مشابهة المستقبل للحاضر والماضي- كما يرى هيوم- فليس بالإمكان إذن أن نتحدّث عن مستقبل الذهن أيضاً، ولا أن نفترض أنّ العادة الذهنيّة للانتقال من فكرة إلى فكرة سوف تظلّ في ذهني إلى دقيقة اخرى. وهذا يعني العجز عن تفسير أيّ قضيّة شرطيّة من قبيل:
«إذا حدثت الحرارة في هذا الحديد فسوف يتمدّد».