للعليّة على أساس أمرين مجتمعين:
الأوّل: معطيات الخبرة الحسيّة التي تبدو فيها الحادثتان مقترنتين مرّات عديدة.
والآخر: الاحتمال العقلي المسبق للواقع الموضوعي للعليّة نتيجةً لعجز التفكير العقلي المحض عن الإثبات والنفي.
فالخبرة+ الاحتمال المسبق/ الدليل على الواقع الموضوعي للعليّة. وهذا ما أترك شرحه للقسم المقبل من الكتاب.
4- تصوّر العليّة:
إنّ كلّ فكرة بسيطة في رأي (هيوم) هي نسخة من انطباع وفقاً لمبدئه القائل بأسبقيّة الانطباعات على الأفكار، وعلى هذا الأساس كان (هيوم) يفتّش عن الانطباع الذي أمدّنا بفكرة العليّة بما تشتمل عليه من ضرورة وحتميّة، وحينما لم يجد في انطباعات الحسّ ما تكون فكرة العليّة نسخة منه، افترض انطباعاً آخر لكي يفسّر على أساسه وجود فكرة العليّة في ذهننا، وهذا الانطباع الآخر قد افترضه (هيوم) من انطباعات الأفكار لا من انطباعات الحسّ، إذ زعم أنّ تكرار اقتران الحادثتين في الخبرة الحسيّة يثير في الذهن انطباعاً معيّناً، وهو تهيّؤ الذهن واستعداده لكي ينتقل من إدراك إحدى الحادثتين إلى الاخرى، وفكرة العليّة هي نسخة هذا الانطباع.
ونحن حين ندرس تفسير (هيوم) لتصوّر العليّة، نلاحظ أنّ ذلك التهيّؤ الذهني للانتقال الذي افترضه انطباعاً من انطباعات الأفكار، قد اكتشفه في الحقيقة بطريقة الاستنباط من مبدئه القائل بأسبقيّة الانطباعات على الأفكار؛ لأنّ ذلك المبدأ الذي يرفض قبول الفكرة إلّابوصفها نسخة لانطباع، هو الذي