جعل هيوم يعتقد بأنّ فكرة العليّة وليدة انطباع، ويفتّش عن هذا الانطباع. وإذا لاحظنا مبدأ الأسبقيّة نفسه وجدنا أ نّه يقوم- في رأي (هيوم)- على أساس الاستقراء؛ لأنّه استطاع أن يتبيّن خلال دراسته للانطباعات والأفكار: أنّ الأفكار البسيطة مماثلة للانطباعات البسيطة، وتابعة لها. ورغم أنّ فكرة العليّة لم تكن من تلك الأفكار التي شملها الاستقراء، خرج (هيوم) من استقرائه بتعميم يشمل سائر الأفكار، بما فيها فكرة العليّة. فاستطاع أن يطبّقه على فكرة العليّة نفسها.
وهكذا نعرف أنّ فرضيّة انطباع تنشأ منه فكرة العليّة مستدلّة عند هيوم بتعميم من التعميمات الاستقرائيّة. فإذا كان الاستدلال الاستقرائي خلواً من أيّ قيمة موضوعيّة، فمن الطبيعي أن يكون رأي (هيوم) في تفسير نشوء فكرة العليّة كذلك أيضاً. بل إنّ الاستقراء الذي اعتمده (هيوم) لا يملك الشروط التي يجب توفّرها عادة في الاستقراءات الناجحة؛ لأنّ التعميم في الاستقراء الناجح لا يمتدّ إلى الأفراد التي يوجد بينها وبين الأفراد المستقرأة فارق نوعي محدّد. فإذا استقرأنا- مثلًا- كلّ أنواع المعادن باستثناء الذهب، فوجدناها تتمدّد بالحرارة، لم يكن بالإمكان تعميم النتيجة للذهب أيضاً؛ لوجود فارق نوعي محدّد بين الذهب والمعادن التي فحصت: من حديد، ورصاص، ونحاس.
وإنّما تعمّم النتيجة على القطعات الاخرى من الحديد، والرصاص، والنحاس؛ لأ نّنا لا نلاحظ بينها وبين ما فحصنا من قطعات أيّ فارق نوعي محدّد. وفكرة العليّة من قبيل الذهب في هذا المثال: فهب أ نّا فحصنا كلّ أنواع الأفكار الاخرى فوجدنا أ نّها مصاحبة لانطباع وتابعة له، فإنّ هذا لا يبرّر أن نعمّم النتيجة على فكرة العليّة نفسها، ما دامت فكرة العليّة تختلف نوعيّاً عن الأفكار الاخرى.