نقد وتمحيص لمفاهيم هذا الاتجاه:

وسوف نركّز فيما يلي على النقاط الرئيسيّة في التفكير الفلسفي لدافيد هيوم، بالقدر الذي يتّصل بمشكلة الاستقراء، ونقوم بدرسها ومناقشتها:

1- ما هو الاعتقاد؟

ونقطة البدء التي يجب أن نبدأ منها هي طريقة (هيوم) في تفسير الاعتقاد، وتتلخّص هذه الطريقة في أمرين‏[1]:

أوّلًا: إنّ الفارق بين التصوّر والاعتقاد ليس في المحتوى، بل في طريقة إدراكه. فنحن إذا قارنّا بين مجرّد تصوّرنا لفكرة معيّنة وحكمنا بوجود الشي‏ء الذي تمثّله هذه الفكرة، نجد فرقاً بين الأمرين، ولا يتمثّل هذا الفرق في إضافة عناصر جديدة في الحالة الثانية إلى ما كانت عليه الفكرة في الحالة الاولى، بحيث تصبح الفكرة اعتقاداً؛ لأنّ فكرة الوجود لا تختلف في شي‏ء قطّ عن فكرة الشي‏ء الذي ننعته بالوجود. تصوّر شيئاً ما، ثمّ تصوّر ذلك الشي‏ء موجوداً وجوداً حقيقيّاً، فلن تجد فرقاً بين الحالتين، أي أنّ تصوّرك لذلك الشي‏ء لا يزيد ولا ينقص ولا يختلف عن مجرّد تصوّرك له تصوّراً عقليّاً.

وهكذا نعرف أنّ الوجود ليس صفة تضاف إلى سائر صفات الشى‏ء الذي ندركه، وأنّ اعتقادنا بوجود الشي‏ء لا يزيد من العناصر التي يتكوّن منها ذلك الشي‏ء. وهذا يعني أنّ الوجود ليس له فكرة خاصّة به تضاف أو تحذف من فكرتنا عن شي‏ء معيّن نقول عنه: أ نّه موجود.

[1] انظر: ديفد هيوم، تأليف: زكي نجيب محمود، الصفحة 110 وما بعدها