ومع ذلك فلا نزال نقرّر أنّ ثمّة فرقاً واضحاً بين أن أتصوّر فكرة معيّنة لكائن معيّن، وبين أن أعتقد أنّ ذلك الكائن الذي تصوّرت فكرته في ذهني موجود. ولمّا كان هذا الفرق- كما تقدّم- ليس في مقوّمات الفكرة ومحتواها، إذن فلا بدّ أن يكون ناتجاً عن الطريقة التي نتصوّر بها الفكرة. أي أنّ صورة الفكرة ترتسم في أذهاننا على نحو مّا فتكون مجرّد فكرة، ثمّ ترتسم على نحو آخر فتصبح اعتقاداً بوجود الشيء الذي تمثّله تلك الفكرة.
ثانياً: إنّ مردّ هذا الفرق في طريقة ارتسام الفكرة في ذهننا إلى ما تتمتّع به من قوّة وما تمتلئ به من حيويّة، فإذا كانت فكرتنا عن الشيء مجدبة خافتة ليس فيها قوّة وحيويّة فهي مجرّد تصوّر. وإذا كانت زاخرة بالحيويّة والقوّة فهي اعتقاد.
وعلى ذلك فالاعتقاد لا يتناول بالتغيير إلّاالنحو الذي نتصوّر الموضوع في كنفه، فإنّ في وسع الاعتقاد أن يبسط على أفكارنا قوّة ويمدّها بحيويّة. ومن هنا أمكن لنا أن نعرّف الاعتقاد بأ نّه: فكرة حيّة قويّة. بينما التصوّر يعبّر عن نفس الفكرة إذاخلت من الحياة والقوّة.
وهذه الحيويّة التي تميّز الاعتقاد عن التصوّر تستمدّها الفكرة من الانطباع، وذلك إمّا بأن تكون الفكرة هي نفسها نسخة لانطباع من الانطباعات وصورة له، فتستمدّ من حيويّته وقوّته ما ينعشها ويجعلها اعتقاداً، وإمّا أن تكون الفكرة مرتبطة- برابطة العلّة والمعلول- بفكرة اخرى ذات انطباع مباشر، فتستمدّ تلك الفكرة الاخرى الحيويّة من الانطباع الذي تصوّره، ثمّ تفيض بحيويّتها على الفكرة الاولى المرتبطة بها.
ولنعلّق فيما يلي على هذين الأمرين:
أمّا الأمر الأوّل: فنحن نتّفق مع (هيوم) في أنّ الاعتقاد لا يمتاز على التصوّر بإضافة عنصر الوجود إلى محتواه أو أيّ عنصر آخر، وإنّما يمتاز عليه