بطريقة الإدراك، ولكنّا نختلف معه في تبرير ذلك: فنحن إذ نؤمن بأنّ عنصر الوجود ليس هو المميّز الأساس للاعتقاد عن التصوّر، نستند في ذلك إلى أنّ هذا العنصر قد يدخل في محتوى الفكرة، وتظلّ الفكرة رغم ذلك تصوّراً. فإذا قيل لنا مثلًا: «يوجد طائر له رأسان»، ولم نصدّق بذلك، فسوف توجد في ذهننا فكرة «طائر له رأسان» على مستوى التصوّر، وسوف نتصوّر وجوده أيضاً دون أن نعتقد به.
فدخول عنصر الوجود في محتوى الفكرة لا يكفي ليجعل منها اعتقاداً، بل إنّ عنصر الوجود كأيّ عنصر من العناصر الاخرى التي يتأ لّف منها محتوى الفكرة، يصلح للدخول في محتوى التصوّر والاعتقاد معاً. فلا بدّ إذن من فرق آخر يميّز بين فكرتنا عن «طائر له رأسان» وفكرتنا عن «طائر له رأس واحد» ما دام بإمكاننا أن نفترض الوجود في محتوى كلّ من هاتين الفكرتين، وتظلّ الفكرة الاولى رغم ذلك تصوّراً والفكرة الثانية اعتقاداً.
بهذا الشكل نستنتج: أنّ الفرق بين التصوّر والاعتقاد في طريقة الإدراك، لا في محتواه. بينما يحاول (هيوم) أن يستخلص النتيجة نفسها من القول بأنّ الوجود ليس من العناصر التي يمكن أن تضاف إلى ما ندركه فتزيد فيه شيئاً؛ لأنّنا إذا تصوّرنا شيئاً، ثمّ تصوّرناه موجوداً، فلا نجد أ نّنا أضفنا بذلك إلى الشي‏ء صفة جديدة؛ أي أنّ الوجود لا يعبّر عن أيّ معنى جديد غير المعاني التي تعبّر عنها عادةً سائر الكلمات، فقولنا: «طائر له رأسان»، وقولنا: «طائر موجود له رأسان» لهما معنى واحد.
وهذا الموقف من (هيوم) تجاه مفهوم الوجود يرتبط بالتزامه المبدئي بأنّ كلّ فكرة هي في أصلها نسخة من انطباع، وما دام لا يوجد هناك انطباع معيّن تكون فكرة الوجود نسخة منه، فمن الطبيعي أن يضطرّ (هيوم) إلى القول: بأن‏