الأمثلة والشواهد وكبراه من ذلك المبدأ العقلي، ويصل في النتيجة إلى أنّ إحدى الظاهرتين المقترنتين في الاستقراء هي السبب للُاخرى، وما دامت هي السبب فسوف تقترن بها دائماً في جميع الحالات.
وهكذا نعرف أنّ المنطق الأرسطي حين يؤكّد في بعض نصوصه على أنّ الاستقراء الناقص لا يفيد علماً، ويؤكّد في مجال آخر أنّ التجربة تفيد العلم، يريد بالاستقراء الناقص الذي لا يفيد العلم مجرّد التجميع العددي للأمثلة، دون إضافة أيّ مبدأ عقلي مسبق، ويريد بالتجربة التي تفيد العلم تلك الأمثلة فيما إذا اتيح تطبيق مبدأ عقلي مسبق عليها وتأليف قياس منطقي يبرهن على السببيّة من مجموع ذلك.
قال ابن سينا: «ولقائلٍ أن يقول: ما بال التجربة تفيد الإنسان علماً بأنّ (السقمونيا)[1] تسهل الصفراء، على وجه يخالف في إفادته إفادة الاستقراء، فإنّ الاستقراء إمّا أن يكون مستوفى الأقسام وإمّا أن لا يوقع غير الظنّ الأغلب، والتجربة ليست كذلك … فنقول في جواب ذلك: إنّ التجربة ليست تفيد العلم لكثرة ما يشاهد على ذلك الحكم فقط، بل لاقتران قياس به قد ذكرناه»[2].
[1] جاء توصيفه في كتاب« القانون في الطبّ» لابن سينا 1: 593- 594 بأ نّه:« نبات له ثلاثة أغصان كبيرة … وله زهر أبيض مستدير أجوف، شبيه في شكله بالقرطالة، ثقيل الرائحة … إذا شرب منه المقدار المفرط- وهو نصف درهم- أمسك أوّلًا، ثمّ أكرب وغثّى وعرق عرقاً بارداً، ثمّ ربما انبعث إسهاله بإفراط، وهو قاتل. وأصل هذا النبات مسهل البطن …»( لجنة التحقيق)
[2] البرهان، لابن سينا: 46