الناقص والتجربة، بأنّ المنطق الأرسطي يريد بالاستقراء الناقص الذي لا يصلح أساساً للعلم بالتعميم، ملاحظة أشياء جاهزة ناجزة في الطبيعة، من قبيل ما إذا لاحظنا عدداً كبيراً من الغربان فوجدناها سوداء، ففي هذه الحالة ليس من حقّنا أن نبني على هذه الملاحظة العلم بأنّ كلّ غراب أسود. وأمّا التجربة التي تصلح أساساً للعلم فهي تعبّر عن عمليّة فيها شي‏ء من التأثير والتأثّر[1]، أو بتعبير آخر هي عمل إيجابي يقوم به الإنسان، من قبيل أن يسلّط الحرارة على الحديد فيتمدّد في كثير من الحالات، فنستنتج أنّ كلّ حديد يتمدّد بالحرارة.

وبهذه التفرقة بين الاستقراء والتجربة التي حاولها بعض شرّاح المنطق الأرسطي نقترب بالتجربة نحو المفهوم العلمي الحديث لها، ونقترب بالاستقراء الناقص نحو ما يسمّى بالملاحظة المنظّمة في لغة المنهج العلمي الحديث.

ولكنّ هذا التفسير للموقف الأرسطي خاطئ؛ لأنّ المنطق الأرسطي لم يرد بالتجربة التي اعتبرها أساساً للعلم بالتعميم- كما تقدّم- إلّانفس الاستقراء الناقص، ولكن في حالة تكوين قياس منطقي يستمدّ صغراه من الاستقراء الناقص وكبراه من مبدأ عقلي قبلي ينفي تكرّر الصدفة، فالتجربة لا تختلف عن الاستقراء الناقص في نوعيّة النشاط الذي يمارسه الإنسان، وكونه نشاطاً إيجابياً فاعلًا أو مجرّد ملاحظة، بل تختلف عنه في اشتمالها على مبدأ عقلي قبلي ينضمّ إلى الأمثلة المستقرأة، فيتكوّن من المجموع قياس كامل. ولهذا يعتبر ابن سينا استقراء مواليد الزنوج الذي يدلّ على أنّ ابن الزنجي أسود تجربة، بالرغم من أ نّه لا يحتوي على أيّ تأثير وتأثّر أو عمل إيجابي من الإنسان المستقرئ‏[2].

 

[1] يراجع شرح المنظومة للسبزواري 1: 325

[2] البرهان لابن سينا: 47