العلاقات الخاصّة بين الحرارة والتمدّد، أو بين الغليان والتبخّر، يدركها العقل بصورة قبليّة.
فالفلاسفة الأرسطيّون العقليّون يرون أنّ معرفة الإنسان بأنّ لتمدّد الحديد سبباً، أو لتبخّر الماء سبباً، هي معرفة عقليّة بطبيعتها، وليست مستمدّة من الحسّ والتجربة.
وأمّا معرفة الإنسان بأنّ سبب التمدّد في الحديد هو الحرارة، وأنّ درجة معيّنة من الحرارة سبب للتبخّر، فليست معرفة عقليّة. ولا يحاول هؤلاء الأرسطيّون أن يسبغوا عليها طابعاً عقليّاً قبليّاً، بل هي مستمدّة من الخبرة والتجربة بالطريقة التي شرحنا بها وجهة نظر المنطق الأرسطي في القسم السابق من هذا الكتاب.
فكلّ ما يستهدفه (هيوم): الاستدلال على أنّ المعرفة بتلك العلاقات الخاصّة ليست عقليّة. وهذا لا يتعارض مع موقف الفلسفة العقليّة الأرسطيّة من مبدأ العليّة.
وبعد التمييز بين مبدأ العليّة والعلاقات الخاصّة القائمة بين كلّ علّة ومعلولها، نأخذ مبدأ العليّة لندرس طابعه العقلي:
إنّنا مع (هيوم) في تأكيده على أنّ مبدأ العليّة لا يمكن استنباطه من مبدأ عدم التناقض، إذ لا يوجد أيّ تناقض منطقي في افتراض حادثة بدون سبب؛ لأنّ مفهوم الحادثة لا يستبطن ذاتيّاً فكرة السبب، وعلى هذا الأساس يتوجّب على الاتجاه العقلي في الفلسفة الذي يؤمن بعقليّة مبدأ العليّة وقبليّته، أن يوضّح طريقة تفسيره عقليّاً لمبدأ العليّة، بدون أن يتورّط في محاولة استنباطه من مبدأ عدم التناقض مباشرة.