تصوّر بداية شيء دون ردّه إلى علّة[1]. وهذا يعني: أنّ الاستدلال العقلي على إثبات مبدأ العليّة عن طريق مبدأ [عدم] التناقض، غير ممكن.
ويواصل (هيوم) تأكيده على أنّ علاقة العليّة في أيّة حالة من حالاتها لا يوجد لدينا علم قبلي مستقلّ عن الخبرة الحسيّة بها، وإنّما نعلم بها على أساس الخبرة والتجربة، فلو لم تكن العلّة قد مرّت في خبرتنا مقترنة بالمعلول ورأيناها لأوّل مرّة، فلا يمكننا أن ندرك عقليّاً أ نّها علّة لذلك المعلول الخاصّ.
وهنا يتحدّث (هيوم) عن (آدم[2]) فيقول: «إذا افترضنا كمال قدراته العقليّة ما كان ليستدلّ من سيولة الماء وشفافيّته أ نّه يختنق لو غرق فيه، أو يستدلّ من الضوء والدفء اللذين ينبعثان من النار أ نّه يحترق لو وثب فيها»[3].
ونلاحظ في موقف (هيوم) هذا الحاجة إلى التمييز بصورة جدّيّة بين مبدأ العليّة وعلاقات العليّة القائمة بين الأشياء، ونريد بمبدأ العليّة المبدأ القائل: إنّ لكلّ حادثة سبباً، ونريد بعلاقات العليّة العلاقة القائمة بين الحرارة والتمدّد، أو بين الغليان والتبخّر، أو بين أكل الخبز والشبع. فإنّ الاتجاه العقلي على الصعيد الفلسفي الذي يسبغ على العليّة طابعاً عقليّاً قبليّاً يريد بذلك: أنّ مبدأ العليّة من القضايا التي يدركها العقل بصورة قبليّة مستقلّة عن التجربة، ولا يدّعي أنّ تلك
[1] تأريخ الفلسفة الحديثة، يوسف كرم: 198
[2] المراد به آدم أبو البشر بوصفه نموذجاً عمّن لم يمرّ بأيّ تجربةٍ سابقة( لجنة التحقيق)
[3] ديفد هيوم، للدكتور زكي نجيب محمود: 70 بتصرّف