فالسببيّة بمفهومها العقلي تعبّر عن علاقة الإيجاب والضرورة بين ظاهرتين. فأيّ ظاهرتين إحداهما تؤثّر في إيجاد الاخرى حتماً فالظاهرة المؤثّرة منهما هي السبب، والظاهرة الموجودة نتيجة ذلك التأثير هي المسبّب.
وأمّا السببيّة بمفهومها التجريبي فهي لا تعبّر عن الإيجاد والتأثير والحتميّة والضرورة؛ لأنّ هذه العناصر لا تدخل في نطاق الخبرة الحسيّة، والمذهب التجريبي لا يعترف بأيّ عناصر غير تجريبيّة، ولهذا لا تعني السببيّة بمفهومها التجريبي سوى نوع معيّن من التتابع الزمني بين ظاهرتين، ولكن ليس كلّ تتابع زمني بين ظاهرتين يكفي لنشوء علاقة السببيّة بينهما، بل لكي توجد علاقة السببيّة بين ظاهرتين لا بدّ أن يكون التتابع مطّرداً. وعلى هذا الأساس فالتتابع الزمني المطّرد هو كلّ ما تعنيه علاقة السببيّة بمفهومها التجريبي.
وفي هذا الضوء نلاحظ لدى المقارنة بين المفهوم العقلي للسببيّة والمفهوم التجريبي لها:
أوّلًا: إنّ تبعيّة إحدى الظاهرتين للُاخرى التي تحدّد مركزها في العلاقة- أي كونها مسبّبة- هي تبعيّة زمنيّة في المفهوم التجريبي، بينما هي تبعيّة في الوجود لدى المفهوم العقلي للسببيّة.
وثانياً: إنّ علاقة السببيّة لا يمكن للمفهوم التجريبي أن يتصوّرها بين ظاهرتين مقترنتين زماناً؛ لأنّ في هذه الحالة لا يمكنه أن يفترض إحداهما سبباً والاخرى مسبّباً؛ لأنّا رأينا أنّ التبعيّة الزمنيّة هي التي تعيّن المسبّب في المفهوم التجريبي، ومع التقارن الزمني لا توجد تبعيّة من هذا النوع، وبالتالي لا توجد علاقة سببيّة، ولهذا فإنّ المنطق التجريبي لا يطلق اسم السببيّة على علاقة الاقتران‏