أوّلًا: إنّه يؤمن بحاجة الاستقراء إلى مبدأ السببيّة وقضيّة الاطّراد القائلة:

إنّ الحالات المتماثلة تؤدّي إلى نتائج متماثلة، ويتّفق مع المنطق الأرسطي في محاولة ربط الاستقراء بقياس يستمدّ صغراه من الأمثلة وكبراه من قضيّتي السببيّة والاطّراد، إذ يجد المستقرئ في تتبّعه للأمثلة أنّ تمدّد الحديد قد اقترن بالحرارة خلال تلك الأمثلة، ويقرّر على ضوء قضيّتي السببيّة والاطّراد في الطبيعة أ نّه كلّما حدثت ظاهرة عقيب ظروف معيّنة فهي تحدث باستمرار في كلّ الظروف المماثلة، ويستنتج من ذلك أنّ التمدّد يحدث دائماً كلّما وجدت الحرارة في الحديد.

وثانياً: إنّ المذهب التجريبي إذ يربط التعميمات الاستقرائيّة بقضايا السببيّة يختلف عن المذهب العقلي في تفسير هذه القضايا وتبريرها، فبينما كان المذهب العقلي يؤمن بأ نّها قضايا عقليّة قبليّة، يرفض المذهب التجريبي طابعها العقلي القبلي، ويؤكّد أنّ الخبرة الحسيّة هي الأساس الوحيد للمعرفة البشريّة كلّها، ومن أجل ذلك آمن ستيورت مل بأنّ قضايا السببيّة نفسها نتاج استقراءات أوسع وأشمل في عالم الطبيعة[1]. وهذا يعني أ نّنا حصلنا على العلم بقضايا السببيّة نتيجة استقراء لكلّ ما حولنا من ظواهر الطبيعة، ومنذ اكتشفنا قضايا السببيّة أصبحت بدورها أساساً لكلّ تعميم استقرائي لاحق.

وثالثاً: إنّ المذهب التجريبي كما يختلف عن المذهب العقلي في المصدر الذي نستمدّ منه إدراكنا لقضايا السببيّة، كذلك يختلف عنه في معنى السببيّة وما يعنيه مبدأ السببيّة العامّ القائل: إنّ لكلّ حادثة سبباً في الطبيعة.

فإنّ للسببيّة مفهومين: المفهوم العقلي، والمفهوم التجريبي:

 

[1] لاحظ كتاب المنطق الحديث ومناهج البحث، للدكتور محمود قاسم: 84