فالاستقراء الكامل إذن لا يمكن أن يستخدم للاستدلال على القضايا الكلّية في العلوم استخداماً منطقيّاً على أساس مبدأ عدم التناقض؛ لأنّ النتيجة فيها دائماً تجيء أكبر من المقدّمات، نظراً لاستيعاب النتيجة لأفراد المستقبل والأفراد الممكنة التي لم يشملها الاستقراء.
ولا فرق في ذلك بين أن نجعل الاستقراء منصبّاً على الجزئيّات: كخالد وبكر وزيد، لاستخلاص حكم عامّ للنوع، كالحكم القائل: كلّ إنسان يجوع …، أو منصبّاً على الأنواع: كالإنسان والحصان والأسد، لاستخلاص حكم عامّ للجنس كالحكم القائل: كلّ حيوان يموت. فإنّ كلًا من النوع أو الجنس لا يتمثّل من الناحية المنطقيّة في الأفراد أو الأنواع التي وجدت فعلًا فحسب، بل إنّ بالإمكان منطقيّاً أن توجد للنوع أفراد اخرى، وللجنس أنواع اخرى. ومن الطبيعي عندئذٍ أن يعجز الاستقراء عن إعطاء حكم عامّ على النوع أو الجنس، وإنّما يؤدّي إلى حكم ممتدّ في حدود الأفراد الموجودة التي تمّ فحصها خلال عمليّة الاستقراء.
وإضافة إلى ذلك إنّ الاستقراء وحده لا يمكن أن يثبت منطقيّاً ذلك الحكم إلّا في اللحظات التي تمّت فيها عمليّة الاستقراء، فنحن حين نفحص خالداً فنجده يجوع ضمن استقرائنا الشامل لكلّ أفراد الإنسان، لا يمكن أن نسمح لأنفسنا بالحكم بأنّ خالداً يجوع في كلّ الحالات؛ لأنّنا في استقرائنا لم نفحصه إلّافي حالة واحدة، فتعميم الحكم بأ نّه يجوع لغير الحالة التي دخلت في استقرائنا الكامل مباشرة لا يمكن أن يستند منطقيّاً إلى عمليّة الاستقراء، بل هو سير من الخاصّ إلى العامّ، وبالتالي يستبطن الثغرة التي يواجهها كلّ دليل يسير من الخاصّ إلى العامّ.
وهكذا نعرف: أنّ العلوم- بحكم اشتمالها على القضايا الكلّية- لا يمكن أن تقوم على أساس الاستقراء الكامل، وتستمدّ قضاياها الرئيسيّة منه استمدادا