وأمّا القضيّة التي يعلم فيها بثبوت المحمول للموضوع ولا يعلم بعلّة هذا الثبوت فليست برهانيّة، ولا يمكن أن تدخل في البرهان على أيّ قضيّة اخرى[1].
هذا ما يعتقده المنطق الأرسطي في البرهان والقضيّة البرهانيّة. وعلى هذا الضوء: إذا افترضنا أنّ النتيجة التي يبرّرها الاستقراء الكامل لا تؤكّد سوى أنّ كلّ إنسان يجوع، دون أن تشير إلى أنّ الإنسانيّة أو أيّ معنى عامّ محدّد هو العلّة في الجوع، فليست هذه النتيجة قضيّة برهانيّة، وبذلك ينهار صرح البرهان كلّه؛ لأنّه يرتكز على المقدّمات الأوّليّة، أي المبادئ الاولى للبرهان، وهذه المقدّمات والمبادئ تستمدّ طابعها البرهاني ومبرّرها المنطقي في رأي أرسطو من الاستقراء الكامل. فإذا عجز الاستقراء الكامل عن إنتاج قضيّة برهانيّة- أي عن الكشف عن العلّة الحقيقيّة لثبوت المحمول للموضوع- فقدت بذلك المقدّمات الأوّليّة صفتها البرهانيّة وضرورتها المنطقيّة، وبالتالي يتداعى بناء البرهان والعلم الأرسطي كلّه.
3- إنّ استقراء الأفراد مهما كان شاملًا ومستوعباً لا يمتدّ خارج نطاق الأفراد التي وجدت فعلًا للمعنى الكلّي؛ لأنّ الأفراد التي لم توجد بعد وبالإمكان أن توجد، لا يمكن أن يشملها الاستقراء. فالمستقرئ بإمكانه- ولو من الناحية النظريّة- أن يفحص أو يتعرّف- ولو بصورة غير مباشرة- على حال كلّ فرد وجد من أفراد الإنسان، فيجده يجوع، ولكن ليس بإمكانه أن يفحص الأفراد الذين بالإمكان أن يوجدوا من الإنسان ولم يوجدوا فعلًا. وما دام عاجزاً عن فحص هؤلاء، فلا يمكن للاستقراء أن يؤدّي إلى تعميم كلّي يشمل الأفراد الممكنة للكلّي جميعاً، كالتعميم القائل: إنّ كلّ إنسان يجوع، إلّابقفزة من الخاصّ إلى العامّ، وبذلك يخرج الاستقراء عن كونه استقراءً كاملًا.
[1] البرهان لابن سينا: 28