بإمكان استنتاج السببيّة ولون من التلازم من الاستقراء الكامل على أساس مبدأ عدم التناقض؛ لأنّا إذا أردنا أن نقرّر في نتيجة الاستقراء الكامل رابطة سببيّة ولوناً من التلازم بين الجوع والإنسانيّة، فقد أضفنا إلى النتيجة شيئاً جديداً لم يكن محتوى في المقدّمات؛ لأنّ المقدّمات تقول: هذا الإنسان يجوع وهذا يجوع وذاك يجوع، ولا تقول شيئاً عن التلازم والسببيّة، وبذلك يفقد الاستنتاج في حالات الاستقراء الكامل مبرّره المنطقي، ويعجز مبدأ عدم التناقض عن تفسيره؛ لأنّ النتيجة تصبح أكبر من المقدّمات، ومبدأ عدم التناقض إنّما يفسّر ويبرّر الاستنتاج في الحالات التي تكون النتيجة فيها مستبطنة بكامل حجمها في المقدّمات، أي مساوية لها أو أصغر منها.
وإن كان المنطق الأرسطي يتبنّى الإجابة الثانية، ويفترض أنّ النتيجة التي يؤكّدها الاستقراء الكامل هي أنّ كلّ إنسان يجوع، دون أن يدخل فيها أيّ افتراض للسببيّة والتلازم، فهذه النتيجة يمكن تبريرها منطقيّاً على أساس مبدأ عدم التناقض؛ لأنّها محتواة في نفس المقدّمات. ولكنّ الاستقراء الكامل في هذه الحالة لا يمكن أن يتّخذ برهاناً بالمفهوم الأرسطي للبرهان. ولكي نعرف ذلك يجب أن نحدّد المفهوم الأرسطي للبرهان:
إنّ المفهوم الأرسطي للبرهان هو: اليقين بثبوت المحمول للموضوع عن طريق معرفة العلّة الحقيقيّة لثبوته له. فكلّ قضيّة علم فيها بثبوت المحمول للموضوع وكان ذلك عن طريق معرفة العلّة التي من أجلها ثبت المحمول للموضوع فهي قضيّة برهانيّة. وهذه العلّة قد تكون نفس الموضوع حيث يكون المحمول ذاتيّاً للموضوع، وقد تكون شيئاً آخر. ففي الحالة الاولى تكون القضيّة من المبادئ الاولى للبرهان، وفي الحالة الثانية تكون القضيّة برهانيّة ثانويّة يثبت محمولها لموضوعها بعلّة معيّنة.