وهكذا نستخلص بوضوح: أنّ آراء (هيوم) لا تصلح لتفسير الدليل الاستقرائي؛ لأنّ الدليل الاستقرائي لا يزوّدنا فقط بقضايا فعليّة، بل يزوّدنا أيضاً بقضايا شرطيّة.
2- إنّ (هيوم) يتمسّك بدليل لإثبات مفهومه الفلسفي عن الاستدلال الاستقرائي، وعن العليّة بوصفها عادة ذهنيّة للانتقال من فكرة إلى فكرة، فيقول:
لِمَ نسوق من ألف مثال استدلالًا لا نسوقه من مثال واحد فحسب، مع أنّ هذا المثال ليس مختلفاً في وجه من وجوهه عن تلك الأمثلة؟
ويجيب على هذا السؤال: أنّ تفسير ذلك: أ نّنا بينما نجد أنّ النتائج التي يسوقها العقل من تأمّل دائرة فحسب، هي نفس النتائج التي يكوّنها من استعراض جميع الدوائر، نلاحظ أ نّنا لا نستطيع من رؤية جسم واحد يتحرّك بدفع آخر أن نستدلّ على أنّ كلّ جسم يتحرّك من دفع مماثل؛ وذلك لأنّنا يلزم في الحالة الثانية أن نلاحظ تكرار الاقتران بين هذين الموضوعين، ومن ثمّ نتهيّأ بالعادة إلى الاستدلال من أحدهما على الآخر. وعلى هذا فجميع الاستدلالات من التجربة هي إذن آثار للعادة، لا للبرهنة العقليّة[1].
ويتلخّص هذا الدليل في أنّ التمييز في مجال الاستدلال على العليّة بين مثال واحد وأمثلة متعدّدة، لا يمكن أن يفسّر إلّاعلى أساس ما يكوّنه تكرار الأمثلة من عادة ذهنيّة، يعجز المثال الواحد عن إيجادها.
ولكنّ الحقيقة أنّ تفسير ذلك ميسور بدون الأخذ بفرضيّات (هيوم) عن العليّة والدليل الاستقرائي؛ لأنّ المثال الواحد لا ينفي في العادة احتمال الصدفة النسبيّة. فإذا لاحظنا في مرّة واحدة أنّ (أ) ترتّب عليه (ب) أمكن أن يكون
[1] فلسفة هيوم، للدكتور محمّد فتحي الشنيطي: 182