اقترانهما صدفة، وأن يكون (ب) نتيجة لسبب آخر غير منظور- (ت) مثلًا- ولكن حينما يتكرّر اقتران (أ) و (ب) يضعف احتمال تكرّر الصدفة في كلّ تلك الأمثلة. فالتكرار في الأمثلة عامل رئيس في الدليل الاستقرائي، لا على أساس دوره السيكولوجي في تكوين العادة الذهنيّة، بل على أساس دوره الموضوعي في تخفيض قيمة احتمال الصدفة النسبيّة، وفقاً لنظريّة الاحتمال، كما سيأتي شرحه- إن شاء اللَّه تعالى-.
3- نفرض أنّ إنساناً حاول أن يجرّب أثر استعمال مادّة معيّنة على المصابين بالصداع، فلاحظ أنّ استعمال تلك المادّة في أشخاص كثيرين قد اقترن بظاهرة معيّنة، فسوف يستنتج أنّ تلك المادّة سبب لهذه الظاهرة. ومردّ هذا الاستنتاج- في رأي هيوم- إلى العادة الذهنيّة.
ولنفرض أنّ الممارس للتجربة قد اكتشف بعد ذلك: أنّ شريكه- الذي قدّم إليه مرضاه المصابين بالصداع الذين أجرى تجاربه عليهم- كان يتعمّد اختيار المريض الذي تتوفّر فيه الظروف التي تؤدّي إلى وجود تلك الظاهرة، لكي يضلّل الممارس للتجربة في اكتشافه، فمن الطبيعي أن يزول اعتقاد الممارس بالعليّة بعد هذا الاكتشاف، فلا يتوقّع وجود الظاهرة في شخص بسبب استعماله لتلك المادّة.
وهذا من السهل تفسيره على أساس الاعتراف بالواقع الموضوعي للعليّة، وكونها علاقة ضرورة بين الحادثتين في العالم الخارجي؛ لأنّ من الطبيعي على هذا الأساس أن يكون لاكتشاف الممارس عناصر اخرى كانت مجهولة خلال التجربة، أثر في سير الاستدلال الاستقرائي. وأمّا إذا كانت العليّة مجرّد عادة ذهنية تنشأ من التكرار، فكيف يمكن أن تزول العادة الذهنيّة التي نشأت عن التكرار بين (أ) و (ب)، لمجرّد أنّ الإنسان الذي اكتسب هذه العادة قد اكتشف