وهنا نصل إلى ما كنّا نستهدفه في البدء لكي نتساءل: كيف وجدت فكرة العلّة والمعلول في ذهننا؟ وما دمنا قد عرفنا أنّ كلّ فكرة هي وليدة انطباع، فما هو الانطباع الذي ولّد في ذهننا فكرة العلّة والمعلول؟ وليتاح لنا الجواب على هذا السؤال، يجب أن نعرف: ما هي فكرتنا عن علاقة العلّة والمعلول؟
وهنا يجيب (هيوم): بأنّ فكرة العلّة والمعلول لا تعني مجرّد تجاور الظاهرتين مكاناً أو زماناً، إذ كثيراً ما تتجاور ظاهرتان زماناً ومكاناً ولا ندرك أنّ بينهما علاقة العلّة والمعلول، وإنّما تعني الضرورة والحتميّة، ولمّا كان العقل لا يستطيع أن ينشئ فكرة جديدة وإنّما تتولّد الأفكار دائماً عن الانطباعات، فلا بدّ أن نفتّش عن الانطباع الذي نشأت عنه فكرة الضرورة.
لنعُد إذن إلى التجربة لنكتشف ذلك الانطباع، ولنفرض أ نّا رأينا (أ) و (ب) قد اقترنتا مرّة واحدة، إنّ ذلك الاقتران لا يجعلنا نقرّر في يقين أنّ هنالك رابطة بينهما، ولكن لنفرض أنّ هذا الاقتران بين (أ) و (ب) تكرّر في حالات كثيرة جدّاً، فسوف نجد أنّ هذا التكرار يجعلنا نفترض رابطة بين (أ) و (ب)، ونتّجه إلى أن نستدلّ من ظهور إحداهما على وجود الاخرى، وهذا يعني أنّ تعدّد الأمثلة والتكرار هو الذي يمدّنا بالينبوع القادر على منحنا فكرة الضرورة، فكيف يكون ذلك؟
إنّ (هيوم) يوضّح بهذا الصدد: أنّ التكرار وتعدّد الأمثلة نفسه لا يمكن أن يكون هو المولّد لفكرة الضرورة؛ لأنّ تعدّد الأمثلة لا يعني بالنسبة إلينا إلّاتعدّد الانطباعات؛ لأنّ كلّ مثال يولّد انطباعاً خاصّاً، وكلّ واحد من تلك الانطباعات لا يمكن أن يكون هو المولّد لفكرة الضرورة؛ لأنّ الضرورة ليست شيئاً محسوساً لكي تدخل في نطاق الانطباع الحسّي، كما لا يمكن أيضاً أن يكون تعدّد الانطباعات المتماثلة وتكرارها سبباً لإيجاد فكرة الضرورة؛ لأنّ الفكرة لا تنشأ