إلّا عن انطباع، وتعدّد الانطباعات ليس انطباعاً، فلا يمكن أن يؤدّي إلى تنمية مضمون تلك الانطباعات. ويستنتج هيوم من ذلك التفسيرَ الذي تبنّاه، وهو أ نّا حين نشاهد (أ) و (ب) مقترنتين مرّات كثيرة نحصل على انطباع من الإحساس بكلّ مرّة من تلك المرّات، وهذه الانطباعات التي تساوي عدد المرّات ليس في أيّ واحد منها القدرة على إيجاد فكرة الضرورة، ولكنّا نحصل إلى جانب تلك الانطباعات على انطباع يثيره في الذهن نفس تكرار الأمثلة التي اقترنت فيها (أ) مع (ب). وهذا الانطباع، هو عبارة عن تهيّؤ الذهن واستعداده لكي ينتقل من موضوع إلى فكرةٍ مّا يصاحبه عادة.
وهكذا يرى (هيوم): أنّ شعورنا القوي بتهيّؤ الذهن للانتقال من (أ) إلى (ب)، انطباع نتج عن تكرّر تلك الأمثلة، وهو يحمل ما تحمله الانطباعات من حيويّة وقوّة ووضوح، وهذا الانطباع هو الذي يولّد فينا فكرة الضرورة، أي فكرة العلّة والمعلول.
هذه هي طبيعة الضرورة التي تمثّلها فكرة العلّة والمعلول. هي شي‏ء قائم في الذهن لا في الأشياء، غير أنّ هناك نزعة في الذهن تجعله ينبسط على الموضوعات الخارجيّة، ويخلع عليها كلّ الانطباعات الباطنيّة التي تحدث في عين الوقت الذي تنكشف فيه هذه الموضوعات للحواسّ. فنحن نقذف خارجاً عنّا ذلك التهيّؤ الذي نستشعره في أنفسنا، وننقله إلى الموجودات التي تكتنفنا، وإنّ العادة أو بتعبير آخر تلك النزعة التي ننتقل بها من فكرة إلى اخرى هي التي تجعلنا ننسب للموضوعات ما يجري في أنفسنا.
ويستدلّ (هيوم) على أنّ فكرتنا عن العلّة والمعلول مرتبطة بتلك العادة أو النزعة التي تنشأ من التكرار، بأنّ كلّ إنسان يجد فارقاً كبيراً بين استدلال على العليّة يقوم على ألف مثال واستدلال عليها يقوم على مثال واحد: فإنّنا لا نستطيع‏