اخرى، نتيجة لارتباط إحداهما مع الاخرى بعلاقة من تلك العلاقات، وهذا ما يسمّى بالتداعي. وتلك العلاقات التي تؤدّي إلى التداعي وانتقال الذهن من فكرة إلى فكرة اخرى هي التشابه، والتجاور في الزمان أو المكان، والعلّة والمعلول.
وعلاقة العلّة والمعلول هي أهمّ تلك العلاقات؛ لأنّها تمتاز عن العلاقتين الاخريين بأ نّها لا تقع إلّاعلى حدّ واحد، فتنتقل منه إلى حدّ آخر. أو بعبارة اخرى: تثير بوقوفها على الحدّ الأوّل التفكير في الحدّ الثاني.
فمثلًا إذا رأينا الماء على النار، فسوف تثير علاقة العليّة في ذهننا فكرة حرارة ذلك الماء، رغم أ نّنا لا نملك أيّ انطباع عن تلك الحرارة. وإنّما نملك انطباعاً عن حدّ واحد، أي عن أحد طرفي علاقة العلّة والمعلول، وهو كون الماء على النار. وهذا معنى أنّ علاقة العليّة تقع على حدّ واحد، وتنقل بالذهن إلى الحدّ الآخر، أي الطرف الآخر لعلاقة العلّة والمعلول، وإن لم نحصل منه على أيّ انطباع سابق.
وتختلف عن ذلك علاقة التشابه أو علاقة التجاور؛ لأنّ هاتين العلاقتين وإن كانتا تنقلان الذهن من فكرة الشبيه أو المجاور إلى فكرة شبيهه ومجاوره، ولكنّ كلتا الفكرتين لهما انطباع سابق. فنحن حين نرى شخصاً كنّا نراه فيما سبق يسير باستمرار إلى جانب صديق له، ينتقل ذهننا إلى فكرة ذلك الصديق، ولكنّ هذا الصديق بنفسه كان قد مثل أمام الحسّ، ونشأت فكرتنا عنه من انطباع سابق.
فهكذا نلاحظ أنّ علاقة العليّة وحدها هي القادرة على أن تنقل ذهننا إلى فكرة شي‏ء لم يسبق أن مثل لحواسّنا. وعلى هذا الضوء تعتبر هي الأساس لكلّ الاستدلالات المختصّة بالواقع كما أشرنا سابقاً.