غير أنّ هيوم يتناول الانطباعات نفسها فيقسّمها إلى قسمين:
أحدهما: انطباعات الإحساس. والآخر: انطباعات التفكير.
فنحن حينما نبصر أسداً مثلًا نحصل على انطباع له في إدراكنا يتمتّع بالقوّة والحيويّة، وبعد أن يغيب الأسد عن أعيننا يزول الانطباع ويحتفظ الذهن بصورة منه، وهذه الصورة هي الفكرة، أي فكرتنا عن الأسد. وهذه الفكرة قد تولّد في النفس النفور والتهيّب، ويعتبر هذا النفور والتهيّب انطباعاً؛ لأنّه يتمتّع بدرجة كبيرة من الحيويّة والقوّة، وهذا الانطباع ليس وليد الإحساس، وإنّما هو وليد الفكرة، فهو انطباع الفكرة، بينما يكون الانطباع الذي ولّدته رؤيتنا للأسد انطباع الإحساس.
وأيّ انطباع يوجد في إدراكنا فهو يتّخذ بعد غيبة الموضوع مظهره كفكرة، وهذه الفكرة قد تحتفظ بدرجة كبيرة من حيويّة الانطباع، فتكون وسطاً بين انطباع وفكرة، وقد تفقد تلك الحيويّة فقداناً تامّاً فتغدو فكرة خالصة. والملكة التي نستعيد بها انطباعاتنا على المنوال الأوّل هي الذاكرة، والاخرى التي نستعيدها بها على المنوال الثاني هي الخيال. فأفكار الذاكرة تختلف عن أفكار الخيال في قوّتها وحيويّتها، كما تختلف عنها أيضاً في أ نّها نسخ حرفيّة للانطباعات التي ولّدتها ومطابقة لها، على حين أنّ الخيال حرّ طليق، ولكنّ حريّة الخيال ليست بمعنى قدرته على إنشاء أفكار جديدة بدون انطباعات سابقة؛ لأنّ كلّ فكرة لا توجد في إدراكنا إلّانتيجة انطباع، ولكنّ الخيال حرّ في التصرّف بذلك العدد الكبير من الأفكار الناتجة عن الانطباعات، فيفصل ويؤلّف فيما بينها مكوّناً الصور والأوضاع التي تروق له.
وهناك علاقات تنشأ عادةً بين تلك الأفكار الناتجة عن الانطباعات (ولنسمّها بالأفكار البسيطة) تجعل الذهن ينتقل بيسر من فكرة إلى فكرة