نستطيع أن نعرف أنّ ما لاحظناه حتّى الآن من اقتران بين الاقتحام والاحتراق سوف يتكرّر في المستقبل بنفس الطريقة التي لاحظناها في الماضي؟ إنّنا بحاجة إلى ما يبرّر لنا المبدأ القائل بأنّ المستقبل يشبه الماضي، إذ بدون هذا المبدأ لا يمكن لأيّ تجربة أن تعطينا استدلالًا على المستقبل، فما هو المبرّر لهذاالمبدأ؟
هكذا يضع (دافيد هيوم) المشكلة، ثمّ يجيب عليها: بأنّ المبرّر لهذا المبدأ ليس منطقيّاً وإنّما هو مبرّر سيكولوجي يمكن اكتشافه بتحليل موسّع لنفس علاقة العلّة والمعلول التي كانت تشكّل الأساس لاستدلالاتنا الخاصّة بامور الواقع.
وفيما يلي توضيح ذلك:
إنّ (هيوم) يصنّف الإدراكات إلى طائفتين: الانطباعات والأفكار.
ونتوصّل إلى التمييز بينهما بمعرفة مقدار القوّة والحيويّة الذي يصحب كلًا منهما في الذهن، فالإدراكات التي تنطوي على مزيد من القوّة والحيويّة هي التي يدعوها هيوم انطباعات، وتندرج في هذه الطائفة جميع إحساساتنا وعواطفنا وانفعالاتنا.
وأمّا الأفكار، فهي الصور الواهنة لهذه الانطباعات التي نجدها في إدراكنا حال غيبة الموضوع عنّا، فنحن حين نواجه البحر نحصل على إدراك للبحر على درجة كبيرة من القوّة والحيويّة، وهذا هو الانطباع. فإذا غبنا عنه وتصوّرناه كان إدراكنا للبحر صورة لذلك الانطباع لا تتمتّع بما كان الانطباع يتّسم به من قوّة ووضوح، وهذا هو الفكر.
وبعد أن يميّز (هيوم) بين الانطباعات والأفكار، يؤكّد الرأي القائل: بأنّ الانطباعات لها السبق دائماً على الأفكار، فكلّ فكرة بسيطة أو مركّبة مردّها إلى تلك الانطباعات.