وهكذا أيّ ظاهرة إذا اقترنت بشي‏ء خلال الاستقراء، فإنّه لا يكفي هذا الاقتران لإثبات أنّ أحدهما سبب للآخر، ما دام من الجائز أن يكون للظاهرة سبب آخر غير ملحوظ قد اقترن صدفة بالشي‏ء الملحوظ خلال الاستقراء.
وإذا جاز نظريّاً تفسير الاقتران بين الحرارة والتمدّد في التجربة [الاولى‏] على أساس الصدفة، جاز استعمال نفس التفسير إذا تكرّر الاقتران في التجربة الثانية أيضاً؛ لأنّ ما يجوز عقلًا في التجربة الاولى يجوز في التجربة الثانية أيضاً.
وهكذا يظلّ احتمال الصدفة قائماً من الناحية المنطقيّة، فلا يمكن للاقتران بين الظاهرتين مهما تكرّر أن يبرهن على السببيّة بينهما.
ولنتّفق منذ الآن في بحوث هذا الكتاب- من أجل السهولة- على أن نعبّر عن الظاهرة التي يحاول الدليل الاستقرائي أن يثبت كونها سبباً ب (أ) أو (الألف)، ونعبّر عن الظاهرة التي يحاول الدليل الاستقرائي أن يثبت ارتباطها بالظاهرة الاولى ب (ب) أو (الباء)، ونعبّر عن الأمر الثالث الذي يحتمل أن يكون هو السبب الحقيقي لوجود (ب) بدلًا عن الألف ب (ت) أو (التاء).
وثالثاً: إذا اتيح للدليل الاستقرائي أن يثبت السببيّة العامّة في الطبيعة، وأن يبرهن على أنّ الألف هو سبب الباء التي اقترنت به خلال الاستقراء، أي أنّ الحرارة هي سبب التمدّد في الحديد مثلًا في الحالات التي شملها الاستقراء، فيجب عليه أن يثبت أنّ هذا السبب سوف يظلّ في المستقبل- وفي كلّ الحالات التي لم تشملها التجربة فعلًا- سبباً لتلك الظاهرة، إذ بدون إثبات ذلك لا يمكن أن نصل إلى تعميم شامل يؤكّد: أ نّه كلّما وجد الألف في عالم الطبيعة اقترنت به الباء.
هذه مشاكل ثلاث يمكن أن تثار عادة عند محاولة تفسير الدليل الاستقرائي، وتبرير الطفرة التي يستبطنها.