الاستدلال الاستقرائي.
غير أنّ التفكير المعمّق منطقيّاً وفلسفيّاً يثير في هذا المجال عدّة اعتراضات ضدّ هذا اللون من التفكير الاعتيادي:
فأوّلًا: يجب على الدليل الاستقرائي أن يثبت أنّ لكلّ ظاهرة طبيعيّة سبباً (السببيّة العامّة)، إذ بدون إثباته ذلك يصبح من المحتمل أن يكون وجود التمدّد في الحديد غير مرتبط بأيّ سبب، وإنّما هو وجود تلقائي. وإذا جاز أن يكون وجوداً تلقائيّاً بدون سبب، فليس من الضروري أن يتكرّر إذا حدثت الحرارة مرّة اخرى في الحديد.
وثانياً: إذا اتيح للدليل الاستقرائي أن يثبت أنّ لكلّ ظاهرة طبيعيّة سبباً (أي يثبت السببيّة العامّة) فهذا يعني أنّ تمدّد الحديد الذي شوهد خلال التجربة مرتبط بسبب معيّن، ولكن لا يكفي ذلك لإثبات أنّ سبب التمدّد هو الحرارة التي اقترنت بهذا التمدّد في كلّ التجارب المتعاقبة؛ لأنّا إذا نظرنا من زاوية السببيّة العامّة فحسب نجد أنّ من الممكن أن يكون السبب الذي يرتبط به تمدّد الحديد شيئاً آخر غير تعرّضه للحرارة؛ لأنّ السببيّة العامّة تحكم بأنّ للتمدّد سبباً، ولكنّها لا تعيّن نوعيّته.
فيجب على الدليل الاستقرائي- بعد أن يثبت السببيّة العامّة- أن يفتّش عن برهان يثبت به أنّ سبب التمدّد في الحديد- مثلًا- هو الحرارة التي اقترن بها التمدّد خلال التجربة. ولا يصلح مجرّد الاقتران بين التمدّد والحرارة في التجربة برهاناً- من الناحية المنطقيّة- على السببيّة بينهما؛ لأنّ الاقتران بينهما كما يمكن أن يكون نتيجة للسببيّة، كذلك يمكن أن يكون مجرّد صدفة ويكون التمدّد مرتبطاً بسبب آخر اتّفق وجوده في نفس اللحظة التي وجدت فيها الحرارة في الحديد.