أرسطو حين جعل الاستقراء الكامل دليلًا لم يكن يحاول الاستدلال به على أنّ هذا الحجر يتعرّض للجاذبيّة أو ذاك يتعرّض للجاذبيّة، بل على أنّ كلّ أجزاء المادّة تتعرّض للجاذبيّة. فقد رأينا في نصّ متقدّم لأرسطو أ نّه يميّز بين القياس والاستقراء، فيرى أنّ القياس دليل على ثبوت الحدّ الأكبر للحدّ الأصغر بواسطة الأوسط، وأنّ الاستقراء دليل على ثبوت الحدّ الأكبر للأوسط بواسطة الأصغر.
وعلى ضوء هذا التمييز من أرسطو بين القياس والاستقراء نستطيع أن نعرف أنّ النتيجة التي يراد في الاعتراض تحميلها على الاستقراء الكامل، وهي: أنّ هذا الحجر أو ذاك يتعرّض للجاذبيّة، ليست نتيجة مستدلّة استقرائيّاً عند أرسطو، بل هي مستدلّة قياسيّاً. فنحن حين نستعمل القياس نقول: (هذا الحجر مادّة وكلّ مادّة تتعرّض للجاذبيّة فهذا الحجر يتعرّض للجاذبيّة)، وبذلك نكون قد أثبتنا الحدّ الأكبر (وهو التعرّض للجاذبيّة) للحدّ الأصغر (وهو هذا الحجر) بتوسّط الحدّ الأوسط (وهو كونه مادّة). وأمّا الاستقراء فيستعمله أرسطو كما يلي:
هذه الأفراد تتعرّض للجاذبيّة.
وهذه الأفراد هي كلّ أجزاء المادّة.
إذن فكلّ أجزاء المادّة تتعرّض للجاذبيّة.
ويسمّي أرسطو (الأفراد)- هذا وهذا وهذا- بالحدّ الأصغر، ويسمّي (المادّة) بالحدّ الأوسط، ويسمّي (التعرّض للجاذبيّة) بالحدّ الأكبر، ويقول: إنّ الاستقراء يدلّ على ثبوت الحدّ الأكبر للأوسط بواسطة الأصغر، لا الأكبر للأصغر بواسطة الأوسط، كما كان في القياس. وهذا يعني أنّ النتيجة المستدلّة بالاستقراء هي: أنّ كلّ أجزاء المادّة تتعرّض للجاذبيّة، لا أنّ هذا الحجر أو ذاك يتعرّض للجاذبيّة.