اخرى هي بدورها نسخة للانطباع. وهذا يعني أنّ أيّ فكرة لا تكون نسخة مباشرة لانطباع، ولا مرتبطة بنسخة مباشرة من هذا القبيل ليست اعتقاداً. وهذه النتيجة تناقض الواقع؛ لأنّنا جميعاً نعلم أنّ عدداً كبيراً من الاعتقادات يوجد في الذهن البشري دون أن يكون نسخة لانطباع، أو مرتبطاً بنسخة لانطباع بعلاقة العلّة والمعلول. فكيف يستطيع هيوم مثلًا، أن يفسّر اعتقاد إنسانٍ ما بوجود جنّية تتعقّبه أينما ذهب، رغم أنّ فكرته عن هذه الجنّية ليست نسخة لانطباع، ولا مرتبطة مع نسخة لانطباع بعلاقة العلّة والمعلول؟

وقد يقول (هيوم): إنّ الإنسان إذا كان إزاء قضيّة تتّصل بالوجود الفعلي الواقعي، فلا بدّ من اتّصالها على وجه من الوجوه بانطباعاتنا الحسيّة، ولا مناص من الرجوع إلى خبراتنا الحسيّة، على نحو مّا إذا أردنا إثبات الصدق لقضيّة تنبئ عن أحد الموجودات الفعليّة الواقعيّة. ولا يجوز لأحد أن يتحدّث عن كائن مّا كالجنيّة في المثال الذي افترضناه ويزعم لها الوجود الفعلي دون أن يكون في مستطاعه إسناد حديثه هذا إلى خبرة حسيّة من بصر أو سمع أو لمس … إلى آخرها. فلا يصحّ أن يدّعي إنسان الوجود الفعلي لكائن معيّن، ثمّ يعجز عن هدايتنا إلى الحاسّة التي جاءه العلم به عن طريقها[1].

وفي الردّ على هذا القول يجب أن نميّز بين موقفين: أحدهما موقف تفسيريّ للاعتقاد، وهو الموقف الذي نحاول فيه إبراز الفرق الأساس بين التصوّر والاعتقاد- أيّ اعتقاد- بقطع النظر عن خطئه وصوابه؛ لأنّ الاعتقاد سواءً كان مصيباً أو مخطئاً يختلف اختلافاً جوهريّاً عن التصوّر.

والموقف الآخر هو الموقف التقييمي للاعتقاد الذي يراد فيه الكشف عن‏

 

[1] ديفد هيوم، للدكتور زكي نجيب محمود: 115