أساس التسليم بصحّته، فنعتبره دالًا بنفسه على صدق نفسه، وإمّا أن نبحث عبثاً عن مبرّرٍ يبرّر لنا أن نتوقّع حوادث المستقبل قبل وقوعها على أساس خبرة الماضي)[1].

فسؤالنا الآن هو: هل يجوز لنا الحكم بصحّة الاستدلال من حوادث الماضي على حوادث المستقبل دون الرجوع إلى أيّ مبدأ عقلي قبلي، كمبدأ الاستقراء الذي اقترحه (رسل)؟ … هل هناك مبرّر عقلي يحتّم أن تجي‏ء التجربة الجديدة مشابهة للتجارب الماضية؟ ونحن دفاعاً عن المذهب التجريبي نسأل بدورنا: ماذا يريد هؤلاء بقولهم: «مبرّر عقلي»؟ إذ نرى أنّ المشكلة كلّها متركّزة في المراد بهاتين الكلمتين … فالذين يقولون: إنّ تجربة الماضي وحدها ليس فيها مبرّر عقلي يجيز أن نحكم في ضوئها على المستقبل، يريدون بهاتين الكلمتين (مبرّر عقلي) صدقاً يقينيّاً في النتيجة. أو قل: إنّهم يريدون بهما أن يكون الاستدلال استنباطيّاً نتيجته محتواة في مقدّماته، وبذلك يستحيل أن تتعرّض للخطأ [فإن كان معنى كلمتي «مبرّر عقلي» عندهم هو أن يكون الاستدلال استنباطيّاً يقينيّ النتيجة لاحتواء المقدّمات عليها][2] فواضح أنّ الاستقراء لا يكون فيه مبرّر عقلي بهذا المعنى؛ لأنّ الاستقراء ليس استنباطاً.

لكن لماذا نفهم المبرّر العقلي بهذا المعنى؟ إنّها لا تعني ذلك في العلوم ولا في الحياة الجارية، فلو قيل لي في الحياة الجارية: إنّ (أ) سيلاعب (ب) وأنا لا أعرف عن (أ، ب) إلّاأ نّهما لعبا ستّ مرّات فيما سبق فكسب (أ) في أربع‏

 

[1] ما بين القوسين منقول- في عبارة زكي نجيب محمود- عن كتاب برتراند رسل« مشاكل الفلسفة»( باللغة الإنجليزيّة): 106

[2] نقلنا ما بين المعقوفتين من المصدر المشار إليه في نهاية النصّ( لجنة التحقيق)