الحالات الاخرى المماثلة سوف يظلّ سبباً وسوف يقترن به (ب) دائماً؟
وقد رأينا في دراستنا لموقف الاتجاه الأرسطي تجاه مشاكل الاستقراء أنّ المشكلة الثانية من هذه المشاكل الثلاث هي التي استأثرت باهتمامه على الصعيد المنطقي دون الاولى والثالثة، اعتماداً منه في حلّهما على ما تقرّره الفلسفة العقليّة التي يؤمن بها من مبادئ قبليّة للسببيّة. وقد عالج المشكلة الثانية على أساس افتراض مبدأ قبلي أيضاً ينفي تكرّر الصدفة النسبيّة على خطّ طويل.
وأمّا المذهب التجريبي فهو يرفض فكرة وجود قضايا قبليّة، ولا يؤمن بالمبادئ العقليّة للسببيّة التي آمن بها التفسير الأرسطي للاستقراء، ولهذا استقطبت المشكلة الاولى والثالثة اهتمامه، ولم تحظ المشكلة الثانية منه إلّاباهتمام جانبي؛ لأنّ المذهب التجريبي يدرك خطورة المشكلة الاولى والثالثة بالنسبة إليه، إذ لا يمكنه أن يعالجها عن طريق المبادئ العقليّة للسببيّة التي افترضها المنطق الأرسطي ما دام لا يقرّ بوجود معرفة عقليّة قبليّة.
ولدى تحديد موقف المذهب التجريبي من الدليل الاستقرائي وطريقة تفسيره له يمكن أن نصنّف موقفه إلى ثلاثة اتجاهات سوف نستعرضها تباعاً، وفقاً لدرجة وثوقها بالدليل الاستقرائي، لا وفقاً لتسلسلها التأريخي.
فالأوّل: هو اتجاه اليقين الذي يؤمن بإمكان الوصول إلى اليقين عن طريق الدليل الاستقرائي.
والثاني: هو اتجاه الترجيح الذي يرى أنّ الدليل الاستقرائي يسبّب رجحاناً للقضيّة الاستقرائيّة، وكلّما امتدّ الاستقراء وتوسّع ازدادت القضيّة الاستقرائيّة رجحاناً دون أن تصل إلى مستوى اليقين.
والثالث: الاتجاه الذي يشكّ في قيمة القضيّة الاستقرائيّة من الناحية الموضوعيّة، ويفسّر الاستدلال الاستقرائي بوصفه عادة ذهنيّة بحتة.