ولما كانت القضيّة التجريبيّة من فئات القضايا الأوّليّة.
فالمنطق الأرسطي بحكم اعتباره للقضيّة التجريبيّة أوليّة، وبحكم إيمانه بأنّ كلّ تجربة يجب أن يدخل فيها ذلك المبدأ العقلي الذي ينفي تكرّر الصدفة النسبيّة، لا بدّ ان يكون مؤمناً بأنّ هذا المبدأ يمثّل معرفة عقليّة أوليّة، ومن أجل ذلك لا يجد حاجة إلى الاستدلال عليه، كما لا يستدلّ على أيّ معرفة عقليّة أوليّة.
فكما لا حاجة في الإيمان بمبدأ عدم التناقض إلى دليل، كذلك الأمر في مبدأ عدم تكرّر الصدفة النسبيّة؛ لأنّ المعارف الأوليّة تشكّل بدايات المعرفة العقليّة القبليّة، فلا يمكن أن يستدلّ عليها بمقدّمات سابقة عليها.
وما دمنا قد حصلنا على تصوّر محدّد لمفهوم المنطق الأرسطي عن المبدأ الذي ينفي تكرّر الصدفة النسبيّة، وعرفنا أ نّه يعتبره من القضايا العقليّة الأوليّة، كمبدأ عدم التناقض، فقد يكون بالإمكان التأكّد من خطأ المنطق الأرسطي في اعتقاده هذا بمجرّد تصوّره تصوّراً دقيقاً؛ لأنّ المبدأ الذي يقدّمه لنا المنطق الأرسطي- بوصفه مبدأً أوليّاً- هل ينفي تكرّر الصدفة النسبيّة على مستوى الوقوع فحسب، أي أ نّه ينفي وقوع هذا التكرار، أو ينفي الإمكان ويقرّر استحالة تكرّر الصدفة النسبيّة؟
فإن كان المبدأ الأرسطي يقرّر استحالة تكرّر الصدفة النسبيّة، كما يقرّر مبدأ عدم التناقض استحالة التناقض، فبسهولة يمكننا أن ندرك أنّ هذا المبدأ غير موجود في عقولنا؛ لأنّا جميعاً نميّز بين مبدأ عدم التناقض ومبدأ عدم تكرّر الصدفة النسبيّة، فإنّ عالمنا الواقعي الذي نعيش فيه وإن لم يوجد فيه تناقض ولا تكرّر مستمرّ في الصدفة النسبيّة على خطّ طويل، ولكنّنا ندرك أ نّه ليس بالإمكان أن يوجد التناقض فيه؛ لأنّه مستحيل، ولهذا لا يمكن أن نتصوّر عالماً تتعايش فيه الأشياء مع أعدامها في وقت واحد. وليس كذلك التكرّر المستمرّ في