المستقبل، وفي كلّ الحالات التي لم يشملها الاستقراء.

وسوف نرى أنّ المنطق الأرسطي قد اعترف بأنّ عمليّة الاستقراء وحدها لا تستطيع أن تتغلّب على هذه المشكلة، وتثبت سببيّة إحدى الظاهرتين المقترنتين خلال الاستقراء للُاخرى. ولكنّه حاول التغلّب عليها عن طريق افتراض قضيّة عقليّة قبليّة تنفي أن يكون اقتران الظاهرتين مجرّد صدفة[1]. وبإضافة هذه القضيّة العقليّة إلى عمليّة الاستقراء يتكامل الدليل الاستقرائي في رأي المنطق الأرسطي.

وهكذا نعرف أنّ الاستدلال الاستقرائي يكتسب لدى المنطق الأرسطي قدرته على إثبات التعميم من قضايا عقليّة قبليّة ثلاث كلّ واحدة منها تحلّ إحدى المشاكل الثلاث المتقدّمة.

والآن سوف ندرس بالتفصيل الموقف الأرسطي على الصعيد المنطقي من مشكلة الاستقراء، الذي عالج فيه المنطق الأرسطي المشكلة الثانية من المشاكل الثلاث التي أثرناها، ونترك علاج المشكلة الاولى والثالثة إلى البحث الفلسفي.

ونحن في دراستنا لموقف المنطق الأرسطي من المشكلة الثانية، سوف نفترض صحّة المواقف التي اتخذها على صعيد البحث الفلسفي من مبدأ السببيّة والقضايا المتفرّعة عنه، وتغلّب بسببها على المشكلتين الاولى والثالثة، ونتّجه في درسنا إلى ملاحظة مدى التوفيق الذي أحرزه على الصعيد المنطقي للتغلّب على المشكلة الثانية.

 

[1] وهي القضيّة القائلة: إنّ الاتّفاق( الصدفة) يستحيل أن يكون دائميّاً أو أكثريّاً، بمعنى أنّ أيّ شيئين ليست بينهما رابطة سببيّة، لا يتكرّر اقترانهما في جميع الأحيان، ولا في أكثر الأحيان، كما سيأتي ذلك في المتن( لجنة التحقيق)